عمر البطش هو واحد من أهم الموسيقيين السوريين في القرن العشرين، وهو ابن مدينة حلب، وسليل مدرستها الموسيقية العريقة، اختص بتلحين الموشحات، وأثرى الغناء العربي بنحو مئة وثلاثين موشحاً، جمعت بين أصالة الموشح الأندلسي وروح العصر الذي عاش فيه، كما أبدع في رقص السماح فطوّره، وصمّم فيه حركات وتشكيلات جديدة، حتى ارتبط هذا النوع من الرقص باسمه.

ذكر الكاتب أحمد بوبس في كتابه "عمر البطش"، أنه يعد مدرسة في الموشحات، تتلمذ على يديه كثير من الموسيقيين السوريين والعرب الذين برعوا في تلحين الموشح منهم: سيد درويش، سعيد فرحات، والأخوان عدنان وزهير منين.

بعد أن أتم البطش تعليمه في الكتّاب، أخذه والده إبراهيم البطش ليعمل معه في مهنته، وكان يعمل كلاساً، يطلي واجهات البيوت بالكلس الأبيض، وبعد فترة من الزمن أخذه خاله بكري القصير ليعمل معه في مهنة البناء، ولما وجد لديه الأذن الموسيقية والميول الفنية راح يصطحبه معه إلى حلقات الذكر والسهرات الفنية مع أصدقائه، وكان خاله ذا صوت جميل، ويتقن الإنشاد الديني، ورئيس حلقة ذكر في إحدى الطرق الصوفية، للطفل البطش ذائقة فنية وقدرة كبيرة على الاستيعاب حيث حفظ ما يزيد على ألفي موشح بكلماتها وألحانها.

عندما شب البطش قليلاً تتلمذ على أيدي كبار الموسيقيين في حلب، أمثال أحمد عقيل، أحمد الشعّار وصالح الجذبة، فتعلم منهم العزف على آلة لعود وعلى آلة النفخية البكلة (البيكولا) وبعض الآلات الإيقاعية مثل الدف والدربكة، وتعلم النوتة الموسيقية وأصول التلحين، ولا سيما الموشحات وإيقاعاتها وأوزانها.

في عام 1905 استدعي للخدمة العسكرية أيام الحكم التركي، وألحق بالفرقة الموسيقية العسكرية عازفاً على آلة البيكولا، وفي الفرقة تعلم المزيد من العلوم الموسيقية على أيدي الموسيقيين الأتراك، وبدأ تأليف المقطوعات الموسيقية للفرقة، ثم رفع إلى رتبة جاويش، وبدأ بتلحين الموشحات.

في عام 1912 شُكّلت في حلب فرقة موسيقية بإشراف الموسيقي الحلبي علي الدرويش، ضمت كبار الموسيقيين في حلب مثل محمد طيفور، عبدو بن عبدو وغيرهم، وقامت برحلة فنية إلى العراق لإحياء بعض الحفلات الفنية، وقدمت الفرقة في حفلاتها بعض ألحان البطش من الموشحات، إضافة إلى القدود الحلبية والمواويل والقصائد وبعض الموشحات من تلحين الشيخ علي الدرويش، فحقق البطش من هذه الزيارة مكسبين مادي وفني، لأنه اطلع على الغناء العراقي والخليجي والفارسي والهندي.

زار حلب الموسيقي المصري سيد درويش واتصل بالبطش، وتعلم منه أساليب تلحين الموشح وأوزانه وإيقاعاته، فكان أحد تلامذته.

استدعي للخدمة العسكرية مرة ثانية، وكانت خدمته في دمشق، فاتصل به عدد من موسيقييها، وأخذوا عنه الموشحات وأوزانها وأصول تلحينها. وبعد تسريحه من الخدمة العسكرية، عاد إلى حلب، وتفرغ للموسيقا وكان في الثلاثين من عمره، فعمل ضارباً للإيقاع في الفرقة الموسيقية في حلب، وكان يتردد نهاراً إلى الزوايا الصوفية، وينشد فيها مقابل أجر، وهذه الزوايا في منزلة المعاهد الموسيقية في زماننا، يتعلم فيها الموسيقيون والمنشدون أصول التلحين والغناء والمقامات والأوزان الموسيقية، لحن لهذه الزوايا مجموعة من الموشحات الدينية، وأدخل تطويراً كبيراً في هذا النوع من الإنشاد الديني.

في عام 1936 دعاه الزعيم فخري البارودي إلى دمشق ليعلم طالبات مدرسة دوحة الأدب أداء الموشحات ورقص السماح، فلبى الدعوة، وشكل فرقة من الطالبات قدمت عرضها في الحفل المدرسي نهاية العام، ثم عاد البطش إلى حلب، وتابع نشاطه فيها.

في عام 1940 أدى فريضة الحج، وبعد عودته لحن موشحاً دينياً عنوانه (هام قلبي عندما ذكر النبي) وهو موشح في مديح الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم ترك العمل في المسارح وتفرغ لتدريس الموسيقا وتلحين الموشحات وتدريسها في بيته.

في عام 1947 بدأت إذاعة دمشق إرسالها، وافتتح معهد موسيقي تابع لها وكان يشرف عليه فخري البارودي، فدعا البطش ليدرس في المعهد، فلبى الدعوة، وشكل فرقة من طالبات جامعة دمشق ضمت أربعاً وعشرين طالبة، ودربهن على أداء الموشحات وعلى رقص السماح، وقدمت حفلاً رائعاً في جامعة دمشق عام 1949، وفي العام نفسه أُغلق المعهد في دمشق، فعاد البطش إلى حلب، وكانت إذاعة حلب بدأت إرسالها حديثاً، فانضم البطش إليها خبيراً موسيقياً، وتولى تدريب كورس الإذاعة على غناء الموشحات، وكان من أعضاء الكورس صبري مدلل، صباح فخري، مصطفى ماهر، كما عاد للتدريس في معاهد حلب.

في عام 1950 بدأت صحته بالتدهور، وسرعان ما أصيب بالشلل، ليرحل عن هذه الدنيا في يوم الإثنين الحادي عشر من كانون الأول، تاركاً نحو مئة وثلاثين موشحاً، توزعت بين الموشحات الطربية والموشحات الدينية، ومن أشهر موشحاته الطربية (يمرّ عجباً ويمضي)، (قلت لمّا غاب عني) وغيرها موشحات كثيرة.

----

الكتاب: عمر البطش

الكاتب: أحمد بوبس

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق 2022