لم يكن يتوقع الدكتور "جوزيف بروير" أنه في يوم من الأيام سيفضي بكل مكنونات نفسه إلى مريض زار عيادته، وأن طريقته "كنس المدخنة" التي يستخدمها في علاج مرضاه، سوف يتم استخدامها لعلاج اكتئابه الخفي، أو بالأصح الذي كان ينكر وجوده، لكن عناد مريضه فريدريك نيتشه ورفضه العلاج، دفع الدكتور بروير إلى أن يصبح مريضاً لديه، لتظهر حقيقة أن كلاً منهما لديه المرض ذاته لكن أحدهما متصالح معه والآخر لا يعرف بوجوده.

بدأت أحداث رواية "عندما بكى نيتشه" بمحاولة الفتاة الروسية لو سالومي الحفاظ على حياة الفيلسوف فريدريك نيتشه الذي كان يرسل إليها رسائل قرأت بين سطورها غضبه وسخطه ويأسه، وشعرت بأن لديه ميولاً انتحارية، خاصة بعد أن رفضت لو سالومي حب نيتشه لها، فما كان منها إلا اقتحام حياة الدكتور جوزيف بروير الذي سمعت عنه بالمصادفة عندما كان أخيها الذي يدرس الطب يتحدث عن الحالة التي ناقشها الدكتور في إحدى محاضراته والتي تشابه إلى حدّ ما حالة نيتشه عن طريق أسلوب "كنس المدخنة" الذي اكتشفه مؤخراً.

وبدأت أحداث الرواية عندما قابلت لو سالومي الدكتور بروير وتحدثت له عن نيتشه واتفقت معه على مخطط يدفع نيتشه لزيارة عيادته، خاصة وأنه زار العديد من الأطباء، من دون أن يعلم أن "لو" هي من قامت بالمخطط، لأن ذلك سيدفع به إلى عدم زيارته. زودت "لو" الدكتور بجميع المعلومات المتعلقة بـنيتشه والتي يمكن أن تساعده في العلاج. وفي يوم موعد اللقاء، طلب نيتشه من الدكتور أن يكون واضحاً وصريحاً بخصوص مرضه. وقام نيتشه بطرح عدّة أسئلة، أجاب الطبيب عنها بكل صراحة ووضوح ظناً منه أنه سيكسب ثقة مريضه ويفضي له بكل أسراره. لكن المفاجأة أن المريض كان متصالحاً مع حالته ورفض العلاج، فما كان من الدكتور بروير إلا أن يدخل مناورة مع فريدريك نيتشه بأنه سيكون مريضاً لديه ليطبق عليه العديد من النظريات النفسية التي وصل إليها نيتشه. واستطاع الدكتور إقناع مريضه بأنه دون التجربة، فإن نظرياته لا تساوي شيئاً، لكن الرفض كان سيد الموقف.

هاجمت نيتشه نوبة شقيقة قوية قبل سفره، ما دفع صاحب الفندق إلى إحضار الدكتور بروير بعد أن وجد عنوانه في غرفة نيتشه. وهنا تبدأ الأحداث بعد استعاد نيتشه لوعيه وقبوله المكوث في المشفى الخاص بعائلة زوجة الدكتور بروير لمراقبة حالته مقابل أن يساعد الدكتور بروير في مواجهة مخاوفه. وبعد أن استقر نيتشه في غرفته التي حملت الرقم "13"، بدأت زيارات الدكتور بروير الذي بدأ بمناورة كشف أسراره أمام نيتشه علّه يكسب ثقته، ولكن بعد عدّة زيارات وجد الدكتور بروير نفسه هو المريض ونيتشه يقوم بمواجهته بكل مخاوفه.

ومن خلال اللقاءات المتتالية والملاحظات، يبين الكاتب أنه لا بد للإنسان أن يواجه مخاوفه ليتمكن من التخلص منها، فقد كان القاسم المشترك بين الدكتور بروير ونيتشه أن كليهما يعاني من طيف امرأة دخلت حياته وشغلت كل تفكيره ولم يستطع التخلص منها. ولكن تشجيع نيتشه للدكتور بروير على خوض تجربة التخلي عن كل شيء ومغادرة حياته التي اعتادها، دفعته لخوض هذه التجربة، لكن عن طريق التنويم المغناطيسي، فقد طلب من صديقه سيغموند فرويد أن يزوره في العيادة وأن يجري له جلسة تنويم مغناطيسي، الأمر الذي ساعده على عيش حياة التخلي بكل تفاصيلها. وبعد استيقاظه اكتشف أن المواجهة هي السبيل للنجاة. وعندما تعلم بأن ما يقدم لك يقدم لغيرك يجعلك تتأكد من حقيقة ما تشعر تجاه الشخص. وبعد أن نجح الدكتور بروير بالتخلص من طيف مريضته التي أحبها، صارح نيتشه بأنه شفي منها. فما كان من نيتشه إلا أن أفضى بكل مكنونات نفسه عن لو سالومي للدكتور الذي عمل على مواجهة نيتشه بأن "لو سالومي" فعلت نفس الشيء معه.

في النهاية يجد كل منهما ضالته ويعرف أن مواجهة خوفهما وأفكارهما دفعتهما إلى إيجاد طريقهم للمستقبل، وعلى كل منهم أن يعيش اللحظة الراهنة بكل تفاصيلها، فعاد الدكتور بروير إلى زوجته وعائلته وعيادته بعد أن عاش تجربة التخلي عنهم عن طريق التنويم المغناطيسي بعد خوضه لأسلوب علاج "كنس المدخنة". واكتشف فريدريك نيتشه أن دخول لو سالومي إلى حياته كان الانطلاقة لتشكل فكرة "زاردشت" الذي كان لسان أفكاره التي نتجت عن المواقف التي عاشها.

إرفين يالوم هو أستاذ في مادة التحليل النفسي في جامعة ستانفورد الأمريكية، بالإضافة إلى عمله في مجال المعالجة النفسية وهو وجودي الاتجاه بامتياز.

----

-الكتاب: عندما بكى نيتشه

-الكاتب: إرفين د. يالوم

-ترجمة: خالد الخبيلي

الناشر: دار الجمل