محمد فريد بن عبد الرزاق بن محمد كرد علي، رئيس المجمع العربي بدمشق، ومؤسسه، وصاحب مجلة المقتبس، والمؤلفات الكثيرة، وأحد كبار الكتاب، أقبل على المطالعة والدروس الخاصة، فأحسن التركية والفرنسية، وتذوق الفارسية، وحفظ أكثر شعر المتنبي، ومقامات الحريري عاش بين عامي 1867-1953.

ذكر الكاتب سراج الجراد في كتابه "محمد كرد علي"، أن كرد علي نشأ في أسرة كريمة، وتلقى تعليمه الأولي في مدرسة الحبّال الخاصة في حي القيمرية، وتعلّم في الكتّاب القراءة والكتابة، ثم أتم تعليمه الثانوي في المدرسة العازرية للراهبات بدمشق. وعلى الرغم من أنه تعلم الفرنسية في طفولته على يد مدرّس خاص، إلا أنه كان متعدد المواهب، محبّاً للعلم عاشقاً للبحث، كان يحب مطالعة الكتب والصحف، حيث بدأ بقراءة الجرائد العربية في الثالثة عشرة، واشترك في جريدتين، وأولع بمطالعة جريدة لسان الحال، لأن فيها أخباراً طريفة مغرية. وفي المدرسة الثانوية اشترك في جريدة فرنسية أسبوعية تصدر في باريس اسمها صديق الريف، وبعض الصحف التركية الصادرة عن الأستانة، ولا سيّما المجلات الأدبيّة التاريخيّة، وبعض المقالات لكبار الكتاب والمفكرين في السياسة والاجتماع. وفي سن السادسة عشرة بدأ كتابة أخبار ومقالات في الجرائد.

في فترة شبابه، اتصل بعدد من علماء دمشق المعروفين ينهل من علمهم وأدبهم، منهم: سليم البخاري، محمد المبارك، طاهر الجزائري.

عندما كثرت الضغوطات عليه من كل جانب بسبب جرأته ونقده اللاذع، واشتدت عليه حملات المغرضين واتهامات أصحاب النفوذ والسلطات، غادر دمشق سراً إلى فرنسا 1913 وأقام فيها فترة واطّلع على حركتها العلمية، والتقى بساستها ومفكّريها، وكتب عن هذه الفترة خمسة وثلاثين مقالاً نشرت في كتابه (غرائب الغرب).

اهتم بالأدب واللغة والبلاغة وعلم الاجتماع والتاريخ والفقه والتفسير والفلسفة، وأسند إليه تدريس الآداب العربية في معهد الحقوق بدمشق عام 1924 وكان له الفضل الأكبر في تعليم الخطابة والإنشاد في هذا المعهد.

الصحافة

تعلق بالصحافة وأحبها، فجمع بينها وبين الأدب، إذ كان العمل الصحفي بالنسبة إليه المتنفس الذي يجد فيه نفسه لبث آرائه وأفكاره، وبدأ الكتابة في الشؤون الأجنبية لإلمامه بالفرنسية والتركية، ثم عهد إليه تحرير جريدة الشام الأسبوعية الحكومية في سورية، واستمر فيها ثلاث سنوات، ثم بدأ بمراسلة مجلة المقتطف المصرية مدة خمس سنوات، وحرر جريدة الظاهر ثم حرر في المؤيد فانتقلت شهرته إلى مصر، وذاع صيته، ثم تولى تحرير جريدة الرائد المصري مدة عشرة شهور، ثم عاد إلى دمشق سنة 1909. في هذه الفترة أصدر العثمانيون المراسيم بافتتاح الجرائد المحلية، ثم إصدار مجلة المقتبس مع جريدة يومية حملت نفس الاسم، ثم عطلتها السلطات العثمانية في العام التالي بسبب نقده اللّاذع لها، فهرب إلى باريس حيث تلقف مزيداً من العلوم ثم عاد إلى دمشق مجدداً.

عمل في مجلة المقتبس منذ نشأتها على إحياء اللغة العربية، وإبراز ذخائر تراث العرب اللغوي والبلاغي. كانت مقالاته تحارب الجهل والجهلاء، وتدعو إلى التحرر من الخرافات، وتنادي بالإصلاح والتجديد، والأخذ بوسائل المدينة الحديثة، وإحياء التراث النافع وأمهات الكتب التراثية العربية، ومعرفة التاريخ المجيد للأمة، والرد على المستشرقين المتعصبين الطاعنين في العرب وحضارتهم ولغتهم.

المجمع اللغوي

في عام 1919 عاد محمد كرد علي إلى وطنه سورية، وعهد إليه رئاسة الديوان، يعاونه عدد من كبار علماء سورية، وكان من مهمات الديوان: النظر في أمور المعارف، والتأليف، تأسيس دار للآثار، والإشراف على المكتبات، ولا سيّما المكتبة الظاهرية، وإنشاء المدارس والإشراف عليها، ووضع مناهج التدريس والكتب المدرسية. وتحوّل الديوان بجهود رئيسه إلى المجمع العلمي العربي. واشتهر بعد ذلك باسم مجمع اللغة العربية للنهوض باللغة العربية وآدابها، وهو أول المجامع العربية التي ظهرت في الوطن العربي، وكان من أهدافه: النظر في اللغة العربية وأوضاعها العصرية، ونشر آدابها، وإحياء مخطوطاتها، والعناية بجمع الآثار القديمة، والمخطوطات القديمة الشرقية والمخطوطات العربية والإفرنجية، وتأسيس دار كتب عامة، وإصدار مجلة للمجمع لنشر أعماله وأفكاره لتكون رابطة بينه وبين دور الكتب والمجامع العلمية.

آثاره الفكرية

ترك محمد كرد علي إرثاً علمياً وإنسانياً ومعرفياً كبيراً في مجالات كثيرة ومن هذا الإرث كتابه (أقوالنا وأفعالنا)، ويضم عدداً من المقالات الإصلاحية، وفيه يكرس قلمه لرصد ظواهر اجتماعية وثقافية سادت المجتمعات العربية في بدايات القرن العشرين، وبرأيه فهي تعوق التطور ويلزم تسليط الضوء عليها وحل مشكلات تأخر نهضة العرب.

في عام 1920 عهد إليه بمنصب وزير المعارف في حكومة جميل الألشي، ومن إنجازاته أنه بعث عشرة من الطلاب لاستكمال دراساتهم العليا في الجامعات الفرنسية، وأنشأ مدرسة الآداب العليا، وجعلها تابعة للجامعة السورية، كما هيّأ أسباب افتتاح عدد من الكليات، غادر المنصب في عام 1923 وبدأ طباعة كتابه (خطط الشام)، وفي عام 1928 عاد وزيراً للمعارف في حكومة تاج الدين الحسني.

وفاته

توفي محمد كرد علي عن عمر 77 عاماً ودفن في مقبرة الباب الصغير بدمشق، وقد سمي أحد الشوارع باسمه تكريماً له وتقديراً لما قدمه إلى الوطن العربي من خدمات جليلة في مجالات العلم والمعرفة، ولما خلّفة من آثار قيّمة، وأصدرت المؤسسة العامة للبريد طابعاً بريدياً يحمل صورته، تخليداً له.

----

الكتاب: محمد كرد علي

الكاتب: سراج الجراد

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق 2022