تغزل الشعراء باللغة العربية تغزل العاشق بمعشوقه، وهي حاملة الميراث الأدبي الثقافي للأمة واعتبرت عنصرها، وهي أفضل اللغات، وارتبطت بالشرف لذكرها في نص القرآن الكريم.

بدأ الكاتب"ياسين عبد الرحيم" موسوعته بالحديث عن قيمة اللسان العربي، وقيمتنا هي بمواهبنا وبما نتج من تراث سوري فكري أدبي بهذا اللسان؛ حيث أصبح السوري يعبر عن احساسه وادراكه وفهمه، فهو خزانة النفسية السورية وثقافتها. ثم انتقل الكاتب لتعريف معنى اللغات السامية؛ حيث أوجد هذا المصطلح المستشرق اللاهوتي "شلوتزر" النمساوي الأصل في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ومن الباحثين من رأى أن تسمية اللغات السامية باللغات العروبية أدق وأوفى، أما اللهجات فهي بعض التحويرات اللفظية عند مختلف القبائل منها الطمطمانية في لغة حمير وهي قلب اللام في "ال" التعريف إلى ميم ساكنة، ومن الجهات أيضاً التلتلة والكشكشة والفحفحة والعجعجة والخلخانية وشنشنة اليمن والعنعنة والاستنطاء وفيه يقلبون حرف العين في الفعل (أعطى) إلى حرف النون فيقولون (أنطى).

تابع الكاتب: يضم هذا المعجم الكلمات العامية الدارجة في سورية (وخاصة في منطقة الساحل من الجمهورية العربية السورية) مثبتاً لفظها ومبيناً معناها أو دلالتها في أذهان العامة، وأشار إلى أن الكلمات كائنات حية تتوالد وتموت وتبعث من جديد، وأتى على إثبات المفردات الواردة في غيره من المعاجم والمصادر، فلم يكن مجرد تكرار بل أضاف إليها مئات من الكلمات غير المدونة، وإن تكن سائرة بين الناس وعلى ألستنهم، وتميز الأسلوب بالنقاش وحك الآراء المتعارضة ببعضها بحيث لا تطغى طلاوة الأدب على موضوعية الحقائق اللغوية.

التزم الكاتب في هذا المعجم بخطة ثابتة أولها الإتيان بالكلمة العامية في صدر الكلام، ثم ترتيب الكلمات العامية ترتيباً ألفبائياً لكي يسهل الوصول إلى الكلمة المعنية، ثم شرح المعنى العامي للفظة شرحاً مستوفياً وذكر المعاني الإضافية إذا وجدت في لهجة أخرى مع الإشارة إلى موطن الدلالة الجديدة، ثم إيراد معنى اللفظة بنطقها العامي في الفصحى وبالمقارنة مع المعاني المختلفة للعامية والفصحى، وتتضح شخصية العامية بملامحها المتميزة لأنها في الحقيقة ابنة الأرض السورية، وإيراد المقابل الفصيح لهذه اللفظة العامية، وإيراد المعاني اللغوية لأصل الكلمة العامية الفصيحة، ثم تأصيل هذه الكلمة وردّها إلى كلمة اشتقت منها عربية أو غير عربية.

إن المعاجم تعتبر مرجعاً ثبتاً ولكنها لا تخلو من الأخطاء والأغلاط التي يعاني منها الباحث ويحتاج تدقيقها وقتاً وجهداً كبيرين. وذكر الكاتب "عبد الرحيم" أخطاء العلماء قديماً في التأصيل وأسبابها، فهي تفكيك كلمة ودمجها بأسلوب النحت، وحرص بعض القدماء على تأكيد سلامة ألفاظ القرآن من العجمة، واعتبار النطق الإلهي مثلاً أعلى للفصاحة العربية، بينما أغرق البعض في إخضاع كل لفظ إلى وزن عربي معروف مع الإقرار أحياناً بعجمة اللفظة أصلاً، وعدم توفر الاطلاع على اللغات الأجنبية اطلاعاً كافياً وضمور المقارنة اللغوية.

ذكر الكاتب بعض معاجم العامية التي اعتمدها وذكر أخطاء النقل التي وقع فيها بعض المؤلفين، وبعض أصحاب المعاجم إما سوء النقل أو نسبة الكلام أو المعلومة لمرجع آخر، ولا شك أن بعضها من باب السهو.

تعرض الكاتب لعلاقة اللغة العربية باللغة السريانية، فالتشابك بينهما قوي جداً وونهما لهجتين من اللغة السامية الأم، ما يجعل موضوع الفصل في نسبة الألفاظ أمراً دقيق.

تابع الكاتب بأن التجزئة الكيانية ساعدت على ترسيخ مصطلحات العامية الكيانية، حتى إن بعضهم يزعم أن هذا اللفظ أو ذاك خاص بالعامية الكيانية التي ينتمي إليها.

وضح الكاتب أن العلة الأدهى في البحث اللغوي هي النظرة الغيبية إلى اللغة نشوءاً وتطوراً وإلى دورها ووظيفتها بكل بهائها وطهارتها، حيث كانت الفصحى ثم عرضت لها الألسنة بالتشويه والتدنيس، فكانت العامية انحطاطاً لحق بالمثال الخالد، فالفصيح أصيل والعامي مأخوذ منه، فالعامة ترتجل في كثير من الأحيان ألفاظاً جديدة بمعان جديدة، وقد تأخذ من لغات أخرى ما يلائمها.

----

الكتاب: موسوعة العامية السورية

الكاتب: ياسين عبد الرحيم

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق 2012