إن الطعام الذي نتناوله مسؤول بشكل مذهل عن ثلث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن الأنشطة البشرية، وفقاً لدراستين شاملتين حديثتين. إن جميع الخطوات التي تنقل الطعام من المزرعة إلى أطباقنا إلى مكب النفايات - النقل والمعالجة والطهي ومخلفات الطعام - ترفع الانبعاثات المتعلقة بالطعام من 20 إلى 33 %.

يقول الإحصائي فرانشيسكو توبييلو، المؤلف الرئيسي لأحد التقارير: عندما يتحدث الناس عن أنظمة الغذاء، فإنهم دائماً ما يفكرون في البقرة في الحقل. صحيح أن الأبقار هي مصدر رئيسي للميثان، والتي، مثلها مثل غازات الدفيئة الأخرى، تحبس الحرارة في الغلاف الجوي، لكن الميثان وثاني أكسيد الكربون والغازات الأخرى المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، تنطلق من عدة مصادر أخرى على طول سلسلة إنتاج الغذاء.

قبل عام 2021 كان العلماء مثل توبييلو من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، يدركون جيداً أن الزراعة والتغييرات المتعلقة باستخدام الأراضي ذات الصلة، تشكل ما يقرب من 20 % من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على كوكب الأرض. وتشمل هذه التغييرات قطع الغابات لإفساح المجال لرعي الماشية، وضخ المياه الجوفية لغمر الحقول من أجل الزراعة.

متجر أطعمة

لكن تقنيات النمذجة الجديدة التي استخدمها توبييلو وزملاؤه، سلطت الضوء على محرك كبير آخر للانبعاثات: سلسلة التوريد الغذائي. جميع الخطوات التي تنقل الطعام من المزرعة إلى أطباقنا إلى مكب النفايات - النقل والمعالجة والطهي ومخلفات الطعام - ترفع الانبعاثات المتعلقة بالطعام من 20 إلى 33 %.

لإبطاء تغير المناخ، فإن الأطعمة التي نأكلها تستحق اهتماماً كبيراً، تماماً مثل حرق الوقود الأحفوري، كما يقول آموس تاي، عالم البيئة في الجامعة الصينية في هونغ كونغ. توضح الصورة الكاملة للانبعاثات المتعلقة بالغذاء أن العالم بحاجة إلى إجراء تغييرات جذرية على نظام الغذاء، إذا أردنا الوصول إلى الأهداف الدولية للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري.

اكتسب العلماء فهماً أوضح للانبعاثات العالمية ذات الصلة بالإنسان في السنوات الأخيرة، من خلال قواعد البيانات مثل "إدغار"، وهو قاعدة بيانات الانبعاثات لأبحاث الغلاف الجوي العالمية التي طورها الاتحاد الأوروبي. تغطي قاعدة البيانات الأنشطة البشرية لكل بلد، من إنتاج الطاقة إلى النفايات في مكباتها، من عام 1970 حتى الوقت الحاضر. تستخدم "إدغار" منهجية موحدة لحساب الانبعاثات لجميع القطاعات الاقتصادية، كما تقول مونيكا كريبا المسؤولة العلمية في مركز البحوث المشتركة التابع للمفوضية الأوروبية.

قامت كريبا وزملاؤها بمساعدة توبييلو في بناء قاعدة بيانات مصاحبة للانبعاثات المتعلقة بالنظام الغذائي تحديداً تسمى "إدغار- الطعام"، وباستخدامها توصل الباحثون إلى نفس تقدير الثلث مثل مجموعة توبييلو.

قسّمت حسابات فريق كريبا التي نشرت في Nature Food انبعاثات نظام الغذاء إلى أربع فئات عريضة: الأرض (بما في ذلك كل من الزراعة والتغيرات ذات الصلة في استخدام الأراضي) والطاقة (المستخدمة لإنتاج ومعالجة وتعبئة ونقل البضائع) والصناعة (بما في ذلك إنتاج المواد الكيميائية المستخدمة في الزراعة والمواد المستخدمة في تغليف الطعام) والنفايات (من الأغذية غير المستخدمة).

تقول كريبا إن قطاع الأرض هو السبب الأكبر في انبعاثات النظام الغذائي، حيث يمثل حوالي 70 % من الإجمالي العالمي. لكن الصورة تبدو مختلفة عبر الدول المختلفة. تعتمد الولايات المتحدة والدول المتقدمة الأخرى على المزارع العملاقة شديدة المركزية في معظم إنتاجها الغذائي. وبالتالي فإن فئات الطاقة والصناعة والنفايات تشكل أكثر من نصف انبعاثات أنظمة الغذاء في هذه البلدان.

في البلدان النامية، تعد الزراعة وتغيير استخدام الأراضي المساهم الأكبر. كما ارتفعت الانبعاثات في البلدان الأقل تقدماً تاريخياً في الثلاثين عاماً الماضية، حيث قامت هذه البلدان بقطع المناطق البرية لإفساح المجال للزراعة الصناعية، وبدأت في تناول المزيد من اللحوم، وهو مساهم رئيسي آخر في الانبعاثات مع تأثيرات عبر جميع الفئات الأربع.

ونتيجة لذلك أدت الزراعة وما يتصل بها من تحولات في المناطق الطبيعية، إلى زيادات كبيرة في انبعاثات النظم الغذائية بين البلدان النامية في العقود الأخيرة، بينما لم تتزايد الانبعاثات (المرتفعة للغاية أصلاً) في البلدان المتقدمة.

على سبيل المثال ارتفعت انبعاثات الصين الغذائية بنسبة 50% تقريباً من عام 1990 إلى عام 2018، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى زيادة تناول اللحوم، وفقاً لقاعدة بيانات "إدغار- الطعام". يقول تاي إنه في عام 1980 كان الشخص الصيني العادي يأكل حوالي 30 غراماً من اللحوم يومياً. في عام 2010 أصبح هذا الشخص يأكل ما يقرب خمسة أضعاف ذلك.

أعلى معدل انبعاثات

تقول كريبا إنه في السنوات الأخيرة كانت ستة اقتصادات تمثل أكبر الدول المسببة للانبعاثات، وهي المسؤولة عن أكثر من نصف إجمالي انبعاثات الغذاء العالمية. وهذه الاقتصادات بالترتيب هي الصين والبرازيل والولايات المتحدة والهند وإندونيسيا والاتحاد الأوروبي. تساعد الأعداد الهائلة من الصين والهند في زيادة دور هذين البلدين في حجم الانبعاثات. تدخل البرازيل وإندونيسيا في القائمة، لأن مساحات شاسعة من غاباتهما المطيرة تم قطعها لإفساح المجال للزراعة. عندما تسقط هذه الأشجار، تتدفق كميات هائلة من الكربون إلى الغلاف الجوي.

الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على القائمة بسبب استهلاك اللحوم بكثرة. في الولايات المتحدة تساهم اللحوم والمنتجات الحيوانية الأخرى في الغالبية العظمى من الانبعاثات المرتبطة بالأغذية، كما يقول ريتشارد وايت الباحث في برنامج الغذاء التابع لمعهد الموارد العالمية في واشنطن.

تمثل النفايات أيضاً مشكلة كبيرة في الولايات المتحدة: أكثر من ثلث الطعام المنتج لا يتم تناوله أبداً، وفقاً لتقرير عام 2021 من وكالة حماية البيئة الأمريكية. عندما لا يؤكل الطعام، تضيع الموارد المستخدمة في إنتاجه ونقله وتغليفه. ويذهب الطعام غير المأكول إلى مدافن النفايات، ما ينتج عنه غاز الميثان وثاني أكسيد الكربون والغازات الأخرى أثناء تحلل الطعام.

ينتج نظام الغذاء العالمي حوالي 17 غيغا طن متري من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري كل عام، تقاس بالأطنان من مكافئات ثاني أكسيد الكربون - وهي وحدة قياسية تسمح بإجراء مقارنات بين الغازات المختلفة. تمثل الانبعاثات من الصين والبرازيل والولايات المتحدة والهند وإندونيسيا والاتحاد الأوروبي معاً 52 % من هذا الإجمالي.

استهلاك اللحوم وزيادة الانبعاثات

غالباً ما يركز المدافعون عن المناخ الذين يرغبون في تقليل انبعاثات الغذاء على استهلاك اللحوم، حيث تؤدي المنتجات الحيوانية إلى انبعاثات أكبر بكثير من النباتات. يقول تاي إن الإنتاج الحيواني يستخدم مساحة أكبر من الأراضي مقارنة بالإنتاج النباتي، كما أن "إنتاج اللحوم غير فعال بشكل كبير".

ويشرح قائلاً: إذا أكلنا 100 سعرة حرارية من الحبوب مثل الذرة أو فول الصويا، فإننا نحصل على 100 سعرة حرارية. يتم توصيل كل الطاقة من الطعام مباشرة إلى الشخص الذي يأكله. ولكن إذا تم تغذية بقرة أو خنزير بقيمة 100 سعرة حرارية بدلاً من ذلك، فعند ذبح الحيوان ومعالجته للحصول على طعام، يذهب عُشر الطاقة من 100 سعرة حرارية من الحبوب إلى الشخص الذي يأكل الحيوان.

يعتبر إنتاج الميثان من "البقرة في الحقل" عاملاً آخر في استهلاك اللحوم: تطلق الأبقار هذا الغاز عن طريق روثها وتجشئها. يقول توبييلو إن الميثان يحبس مزيداً من الحرارة لكل طن ينبعث من ثاني أكسيد الكربون. لذلك يمكن أن يكون للانبعاثات من مزارع الماشية تأثير كبير؛ حيث تمثل انبعاثات الماشية هذه حوالي ثلث انبعاثات الميثان العالمية وفقاً لتقرير الأمم المتحدة لعام 2021.

التحول من اللحوم إلى النباتات

يجب على سكان الولايات المتحدة التفكير في كيفية التحول إلى ما يسميه برنت كيم النظم الغذائية "النباتية المتقدمة". "النبات أولاً" لا يعني أن نتحول إلى نباتيين. وهذا يعني الحد من تناول المنتجات الحيوانية، وزيادة حصة الأطعمة النباتية الموجودة في الطبق، كما يقول كيم، مسؤول البرنامج في مركز جونز هوبكنز لمستقبل صالح للعيش.

قدر كيم وزملاؤه الانبعاثات الغذائية عن طريق النظام الغذائي ومجموعة الغذاء في 140 دولة وإقليماً، باستخدام إطار عمل أنموذجي مماثل لـ "إدغار- الطعام". ومع ذلك، فإن الإطار يشمل فقط انبعاثات إنتاج الغذاء (أي الزراعة واستخدام الأراضي) وليس المعالجة والنقل وغيرها من أجزاء النظام الغذائي المدمج في "إدغار- الطعام".

ينتج عن إنتاج النظام الغذائي العادي للمقيم في الولايات المتحدة أكثر من 2000 كيلوغرام من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري سنوياً، حسبما أفاد الباحثون في عام 2020 في تقرير التغير البيئي العالمي. ترتفع حصيلة إنتاج الغذاء مع إزالة الغابات واتباع نظام غذائي كثيف اللحوم.

ينتج عن الطعام الذي يتم إنتاجه من أجل النظام الغذائي العادي للشخص في بلد متقدم انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، أكثر من الطعام المنتج لنظام غذائي متوسط في دولة نامية. تمثل انبعاثات إنتاج الغذاء هذه الحصة الأكبر من الانبعاثات المرتبطة بالأغذية، ولكنها لا تشمل المعالجة أو النقل أو البيع بالتجزئة أو النفايات. أدت إزالة الغابات من أجل إنتاج الغذاء إلى انبعاثات عالية في أستراليا والبرازيل والأرجنتين وعدة دول أخرى في أمريكا الجنوبية.

إن عدم تناول اللحوم يوماً في الأسبوع يخفض هذا الرقم إلى حوالي 1600 كيلوغرام من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنوياً لكل شخص. إن اتباع نظام غذائي نباتي - وهو نظام غذائي لا يحتوي على أي لحوم أو منتجات ألبان أو منتجات حيوانية أخرى - يخفضه بنسبة 87 % إلى أقل من 300.

تقدم نماذج كيم أيضاً خيار "سلسلة غذائية منخفضة"، والذي يخفض الانبعاثات إلى حوالي 300 كيلوغرام من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنوياً لكل شخص. يجمع تناول الطعام المنخفض في السلسلة الغذائية بين نظام غذائي نباتي في الغالب ومنتجات حيوانية تأتي من مصادر أكثر ملاءمة للمناخ ولا تزعج النظم البيئية. تشمل الأمثلة الحشرات والأسماك الصغيرة مثل السردين والمحار والرخويات الأخرى.

يوافق تاي على أنه ليس على الجميع أن يصبح نباتياً لإنقاذ الكوكب، حيث يمكن أن تكون للحوم قيمة ثقافية وغذائية مهمة. إذا كنت تريد أن "تبدأ من أكبر ملوث" كما يقول، ركز على تقليل استهلاك لحوم البقر.

يقول توبييلو إن عدداً كافياً من الناس بحاجة إلى إجراء هذه التغييرات "لإرسال إشارة إلى السوق مرة أخرى" بأن المستهلكين يريدون المزيد من الخيارات القائمة على النباتات. يمكن لواضعي السياسات على المستويات الفيدرالية والمحلية أيضاً تشجيع الممارسات الزراعية الصديقة للمناخ، وتقليل هدر الطعام في العمليات الحكومية، واتخاذ إجراءات أخرى لخفض الموارد المستخدمة في إنتاج الغذاء، كما يقول وايت.

تغيير البصمة المناخية

يؤدي تناول عدد أقل من المنتجات الحيوانية إلى انخفاض كبير في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بالنظام الغذائي للمقيم في الولايات المتحدة.

على سبيل المثال، معهد الموارد العالمية، حيث يعمل "وايت"، هو جزء من مبادرة تسمى Cool Food Pledge ، حيث وقعت الشركات والجامعات وحكومات المدن على الحد من التأثيرات المناخية للأغذية التي تخدمها. تتفق المؤسسات على تتبع الطعام الذي تشتريه كل عام للتأكد من أنها تتقدم نحو أهدافها، كما يقول وايت.

يمكن أن يكون للبلدان المتقدمة مثل الولايات المتحدة - التي كانت مستهلكاً ثقيلاً للحوم لعقود ومصدراً مرعباً للانبعاثات بصناعاتها - تأثير كبير من خلال تغيير خيارات الطعام. في الواقع تظهر ورقة بحثية نُشرت في مجلة Nature Food أنه إذا تحول سكان 54 دولة ذات دخل مرتفع إلى نظام غذائي يركز على النباتات، فإن الانبعاثات السنوية من الإنتاج الزراعي لهذه البلدان يمكن أن تنخفض بأكثر من 60%.

----

بقلم: بيتسي ليديزيتس

ترجمة عن موقع: Science News