كان الازدهار دائماً حليف الأمم الأكثر إبداعاً، لأن الإبداع طريق أمل مفتوح، يعطي "كل شيء من لا شيء"، بهذه الرؤية والفكرة استهل الأستاذ الدكتور سليم إبراهيم الحسنية، علمه وعمله، في منجز أكاديمي أسماه "الإدارة بالإبداع نحو بناء منهج نظمي"، صدر عن جامعة دول العربية المنظمة العربية للتنمية الإدارية.

يشير الدكتور سليم الحسنية إلى أن التاريخ يعلمنا أنه لم توجد أي حضارة على الأرض من دون أن يكون الإبداع أُسها الأول، منذ اكتشاف أو اختراع النار، واستخدام الحجر لتدبير شؤون الحياة وحتى اليوم، باختراع الإنترنت. و"كتاب الإدارة بالإبداع" يأتي من هذه الحقيقة الدامغة، كواحد من الأعمدة الخمسة لبناء أنموذج مستقبلي لتحقيق التنمية المتفوقة والمستدامة، لأي فرد أو مجتمع مهما كانت موارده محدودة، يكون الإبداع الأس والعامود الأول في الأنموذج: (الإبداع + التراكم المعرفة + التفكير النظمي + التكنولوجيا المتقدمة + التفكير الاستراتيجي)، وأن أوروبا المتقدمة تأخرت باكتشاف أن الإبداع هو إكسير التقدم والحضارة، حيث انتظرت حتى نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة لتخصص عام 2009 عاماً للإبداع في كل المجالات والنشاطات، وعلى كل المستويات. فالإبداع واجب على كل مواطن في الاتحاد الأوروبي وحق له، أياً كان مستواه واختصاصه، كل إنسان لديه درجة من الإبداع، تمكنه من المساهمة في تطوير وطنه. فالألوان المستخدمة في إشارات المرور هي من إبداع شرطي عادي أثناء ممارسته لوظيفته، والري بالتنقيط نتيجة لفكرة وَلَد ثقب أنابيب جر المياه.

الإبداع أمل الأمة

تتضمن فكرة الكتاب بناء "أنموذج علمي للإدارة بالإبداع"، وهي نظرية جديدة في الفكر الإداري العربي والغربي السائد الآن. الفكر السائد هو إدارة الإبداع، والإبداع الإداري، وليس الإدارة بالإبداع، التي شُرحت في هذا الكتاب كنظرية جديدة في الإدارة، بحيث تتلخص الفكرة بأن الإبداع في الإدارة، كما في غيرها من النشاطات البشرية، هو محرك التفوق والتقدم والمنافسة، وأن الإبداع مورد لا ينضب، ومجاني حيث يتوافر في عقول جميع الناس. فعوضاً عن أن نقوم بإدارة الإبداع فحسب، عند عدد محدود من الأفراد، أن نقوم بتحويل كل الناس إلى ناس مبدعين، كل على قدرته ومستواه ومجاله، تماماً كما نفعل في مكافحة الأمية وإدخال المعلوماتية.

أما الأنموذج العملي المقترح، فيتلخص بوضع إطار عمل منطقي للإدارة بالإبداع، يتألف من خمس خطوات أساسية، هي مكونات الأنموذج. يمكن لكل أعضاء المجتمع الفردية والجماعية والتنظيمية أن يطبقونه، كل حسب ظروفه وقدراته، ولا يحتاج إلى أي تشريعات استثنائية، فقط يحتاج إلى قبول، وإعلان، وتشجيع على الممارسة:

الخطوة الأولى، التحضير: هي مرحلة الرصد والاستكشاف لجميع الفرص والتحديات التي تواجه الفرد والجماعات والمنظمات، ومن ثم تحديد نقاط القوة من موارد وإمكانات متاحة لمواجهتها وتحديد نقاط الضعف لتلافيها والحد من تأثيرها.

الخطوة الثانية، التأسيس: هي المرحلة التي تبدأ خطوتها الأولى بالتفكير الإبداعي الحر المنفتح لطرح الحلول، أياً كانت غرابتها وأياً كان استغرابها، يعقبها خطوة التفكير النظمي (العلمي والمنطقي) الذي يضبط التفكير الإبداعي الحر ويؤطره، ومن ثم تبدأ خطوة التفكير الاستراتيجي العملي الذي يحول التفكير الإبداعي إلى خطط وبرامج وفق مفهوم التكلفة والعائد.

الخطوة الثالثة، التشييد: هي مرحلة "الإعمار" بناء نظام للإدارة بالإبداع، يستند إلى بناء قواعد للمعرفة العلمية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتحويل المشكلات إلى فرص من خلال إعادة النظر جذرياً بمفهوم المشكلات، واعتبارها فرصة للتقدم، وليس عاملاً معوقاً له.

الخطوة الرابعة، التشغيل: هي مرحلة تشغيل نظام الإدارة بالإبداع من خلال إدارة الإبداع نفسه، وتنميته في جميع مراحله، وفي كل المجالات والنشاطات، وعلى كل المستويات الفردية والجماعية والتنظيمية، من لحظة الاستيقاظ من النوم حتى لحظة العودة إليه.

الخطوة الخامسة، الحصاد: هي مرحلة جني النتائج، وتقييم الأداء الإبداعي الذي يتمثل في: الكفاءة المتفوقة، والتجديد والتحديث المتفوقين، والجودة المتفوقة، والاستجابة المتفوقة للمؤثرات الخارجية.

هذا التفوق في نشاط الأفراد والجماعات والمنظمات، سيؤدي حتماً إلى النمو المستمر وبمعدلات عالية، كما يحدث الآن في الصين ودولة الإمارات، التي كنا معاً في كفة واحدة مع أعضاء نادي دول العالم الثالث، قبل أقل من نصف قرن من الزمن. هذا الأنموذج ليس معجزة بل حدث في اليابان، وفي أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية (مشروع مارشال)، ويمكن أن يحدث في سورية وغيرها.

----

الكتاب: الإدارة بالإبداع، نحو بناء منهج نظمي

الكاتب: الدكتور سليم إبراهيم الحسنيه

الناشر: جامعة دول العربية – المنظمة العربية للتنمية الإدارية