عبد السلام العجيلي أحد روّاد القصة والرواية في الأدب العربي الحديث، كما تعد اتجاهاته الأدبية تطلعاّ واقعياً إلى ربط الأدب بحياة الأديب وواقعه الإنساني، وهو أصدق معبر عن الحياة من خلال الأدب.

بدأ الكاتب عبد اللطيف الأرناؤوط كتابه "عبد السلام العجيلي"، بالحديث عن البيئة التي نشأ فيها، فقد ترعرع في بيئة بدوية في مدينة الرقة السورية، وينتمي إلى عشيرة "البوبدران" التي نزحت من سهول الموصل إلى ضفاف الفرات في الجزيرة السورية، ومارس أفرادها رعاية المواشي والزراعة بعد استقرارهم النسبي. تابع العجيلي دراسته في الرقة ثم حلب ثم جامعة دمشق وتخرج طبيباً، واتخذ الأدب هواية من دون أن يتخلى عن رسالته الإنسانية في ممارسة الطب وإنقاذ الأرواح.

يتابع الكاتب الأرناؤوط: عرفه المجتمع العربي مناضلاً قومياً يتطوع مع الفدائيين الذين ذهبوا إلى فلسطين وقاوموا المحتل الصهيوني بالسلاح، ونائباً عن الرقة، ووزيراً في أكثر من وزارة، لكنه آثر خدمة مجتمعه المحلي منسجماً مع اقتناعه الخاص ورؤيته الحياتية طبيباً وأديباً.

يعد العجيلي من أصدق الأدباء تعبيراً الحياة من خلال الأدب، ولم يتجاوز تجاربه الخاصة ومحيطه الإنساني، فقد أثر فيه عالم البادية وما يحمل من قيم موروثة أصيلة نشأ عليها وآمن بها، وجهد إبراز هذا التراث الفني الأصيل، وكان لدى البداة أظهر منه لدى الفلاحين، وأظهر منه لدى أبناء المدن.

كان العجيلي في تقويمه لهذا الموروث، يرجح الإعجاب ببعض قيمه الموروثة من وفاء وكرم ونجدة وحمية واحترام للأعراف، ونقد لبعض ما علق به من عادات قديمة كالثأر والتسلط وغسل العار الناجم عن زلة المرأة ولو على الشبهة، والتعلق بالخرافات والسحر والغيبيات.

كان العجيلي قارئاً نهماً فقد قرأ السيرة النبوية، وسير الصحابة، وسيرة عنترة، وألف ليلة وليلة والعقد الفريد وبعض كتب الجاحظ وهو بين عمر التاسعة والرابعة عشرة من عمره، وقرأ مجلدات الأغاني في عمر السابعة عشرة، ويقول العجيلي: "فتحت لي الكتب التي تعلقت بها الآفاق الواسعة التي لم تكن تفتحها الحياة في البلدان الصغيرة الرقة للطفل الذي كنت "أنا"، فحاولت زج نفسي في حياة تلك الآفاق، وبدأت محاولاتي في الكتابة، وكنت في الثانية عشرة من عمري".

يتابع الكاتب: كتب أول قصة قصيرة إلى مجلة"الرسالة" المصرية بعنوان"نورمان" وفيها يتحدث عن بدوي قاطع طريق يتخلى عن لصوصيته بعد أن تستثار كرامته ونخوته بكلام مؤثر.

تنسب للعجيلي أول مسرحية كتبها عن المعري إلى مجلة "الحديث" الحلبية ونشرها باسم مستعار ونال الجائزة الأولى، وله أعمال قصصية وروائية مثل الخيل والنساء، بنت الساحرة، المغمورون، عيادة في الريف وسواها.

نظر العجيلي إلى مجتمعه البدوي الريفي نظرة الطبيب المشخص للدواء، فقد كان يشرح ويحلل، ولم تكن نظرته لمجتمعه الأم نظرة رومانسية.

أتاح له العمل في مطحنة أبيه معرفة عميقة بالناس حضراً ونصف حضر وبداة، وأصبح يميز بين العشائر، ويستمع إلى قصص النزاعات فيها، صور ومعالم غرست في وعيه، وأصبحت مرتكزاً اتضحت بعض آثارها في التنوع الذي اتصفت به كتاباته.

أكثر ما كان يؤلمه سوء فهم الناس لحريته التي قادته إلى الصدق مع نفسه والانسجام مع ما يقتنع به، فقد اعتبره المحافظون في واقعيته الأدبية ودعوته إلى تحرير المجتمع خطراً عليهم، فاتهموه بالتطرف نحو اليسار، وأما التقدميون فلم يرضهم استقلاله وبعده عن شعارات معينة فاتهموه بالرجعية.

يقول العجيلي في تحرير المرأة: "المجتمع الذي تسلب فيه المرأة حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية هو مجتمع متخلف، ولا يزول تخلفه ما دام سلب هذه الحقوق واقعاً. أنا مع حرية المرأة التي لا ينقص منها استلاب أي حق لها كشريك مماثل للرجل في الحقوق والواجبات، ولكنني لست مع المفهوم الذي يقول بتحريرها من واجباتها الخاصة التي تفرضها طبيعة تكوينها ووظيفتها في المجتمع كالاستنكاف عن الأمومة مثلاً أي الحمل والإرضاع. أقول التحرر من القيود لا التحرر من الواجبات الذي هو فوضى وتهديم".

"شاعر الليالي والنجوم" هو اسم ديوانه الصادر عن دار مجلة الأديب عام 1951. وقد كان العجيلي مرهف الحس، توافرت لديه الموهبة الشعرية، وامتلك طرائق التعبير الشعري عن طريق ثقافة لغوية متينة تتجلى في نسجه الشعري المتين.

وهو رائد من رواد القصة القصيرة الذين ذللوا الطريق لأجيال من المبدعين في مجال القصة العربية في فترة الثلاثينات، وهو كثير الاهتمام في قصصه بالإنسان الذي يعده عالماً قائماً بذاته، قادراً على تجاوز القوانين المادية التي تحكم الكون إلى آفاق وتطلعات تمنح الحياة معناها.

قام بنقلة أدبية وشرع بكتابة الرواية بما تتطلبه من صراع اجتماعي ورصد لحركة التغيير الاجتماعي في المجتمع العربي السوري، فكان مضطراً أن يتناول في رواياته عالم العاصمة بما فيها من حركة ثقافية وسياسية ونزوع إلى الثورة على الواقع، ولم يكن ملماً بخصائص التركيبة الاجتماعية في العاصمة، ولم ينفذ إلى أعماق جذورها الاجتماعية وموروثها الإنساني، فكانت في نظره مرفقاً تجارياً ومسرحاً للصفقات المادية. من أشهر رواياته: باسمة بين الدموع، قلوب على الأسلاك.

----

الكاتب: عبد اللطيف الأرناؤوط

الكتاب: عبد السلام العجيلي

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، 2021