لم يبتعد النقد عن الفكر والأدب الذي طرحته رسائل أخوان الصفا، في مصفوفاتها الأدبية الفكرية والفلسفية، بل ثمة إطلاق حكم قيمة على النصوص الواردة بتنوع ملحوظ من خلال ما قدم في كتاب "القضايا النقدية في رسائل إخوان الصفا وخلان الوفاء" للكاتبة الأديبة "ألاء ياسين دياب".

يطرح الكتاب إشكالية العلاقة بين النقد الأدبي والنقد الفلسفي، مشيراً إلى أنه ثمة مدخلان لتناول النقد الأدبي، أولهما مدخل تاريخي يتبع مفهومه عبر العصور، وثانيهما مدخل آني ينظر في طبيعة هذه الفعالية من وجهة نظر العصر الراهن، ورغم ذلك يبقى النقد الأدبي محكوماً بالإنشاء الأدبي، حكماً يحدد طبيعته ووظيفته وحدوده. والإنشاء الأدبي يدور حول محور أساسي هو الإنسان، والنقد يدور حوله كذلك ولاسيما أن كل ما يأتيه الإنسان إنما يدور حول محور واحد هو الإنسان نفسه. يقول ميخائيل نعيمة وهو يقدم مجموعة الرابطة القلمية: "أجل إننا في كل ما نفعل وكل ما نقول وكل ما نكتب، إننا نفتش عن أنفسنا، فإن فتشنا عن الله فلنجد أنفسنا في الله، وإن سعينا وراء الجمال فإنا نسعى وراء أنفسنا في الجمال". ومعنى هذا أن النقد إذ كان وثيق الصلة بالأدب، هو بمعنى ما إنشاء إنساني واجتماعي أيضاً، لأنه نشاط لغوي يمارس ضمن بني اجتماعية مختلفة. ومن ثم فإنه أكثر من مجرد علائق توصيلية لغوية في هذه البنى، إنه وشائج وعي، أيديولوجية ودور وطبقة، إنه بحق فعل، وعملية، وليس مجرد شيء أو موضوع.

تشير الدراسة إلى المؤثرات الفلسفية في تطور النقد العربي القديم، ودعوته بالأهمية المعدومة طارحة أن ليس للمؤثرات الفلسفية أي دور في التطورات التي شهدها النقد العربي القديم، كذلك الأهمية المطلقة لهذه المؤثرات، ويمكن صياغتها على نحو أنه كل ما جد على النقد العربي القديم في القرن الرابع الهجري من تطورات كان نتيجة مباشرة للمؤثرات الفلسفية، وهناك الأهمية النسبية المشروطة بجملة من العوامل، تتمحور في المؤثرات الفلسفية ودورها بتحديد أهمية شروط عملية إنتاج النص النقدي وظروفها، وكذلك الأهمية المعدومة، إذ لا يمكن الدفاع لوجود دلائل على المؤثرات منها:

-تكوين الناقد الثقافي: وهو يتخذ أشكالاً متعددة كاعتراف الناقد الصريح باستخدامه فكرة نقدية أو نظرية نقدية مستمدة من مصدر فلسفي.

- الأصداء الفلسفية المختلفة التي يعثر عليها دارس النقد العربي القديم.

- الإشارات الصريحة إلى أعمال فلسفية أجنبية، أو إلى أفكار فلسفية إسلامية ونسبتها إلى أصحابها، وغالباً ما تستخدم هذه الإشارات لدعم فكرة يدافع عنها الناقد أو رأي يأخذ به، أو حجة يدفعها، أو أخرى يدافع عنها أو عملية الانفتاح الثقافي التي شهدها المجتمع العربي في القرن الرابع.

- الأهمية المطلقة: والواقع أن المرء يميل إلى إبداء تحفظات عديدة حول هذا الرأي ومنها أنه ينبغي التفريق بين النقد النظري وبين النقد العملي، وإسهامات النقاد العرب في ميدان النقد التطبيقي على قدر كبير من الأصالة والعمق.

لا يستطيع المرء أن يشرح جملة كبيرة من التطورات التي مر بها الفكر النقدي بمجرد إشارة أحادية إلى المؤثرات الفلسفية، دون الأخذ بمجمل التطورات الداخلية الأدبية والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية أحياناً، والتي تؤدي دوراً مماثلاً في أهميته للدور الذي تؤديه المؤثرات الأحيان.

- الأهمية النسبية: وهي المشروطة بعملية إنتاج النص النقدي وظروف هذا الإنتاج. والواقع أن المرء يجد نفسه أكثر ميلاً إلى قبول هذا الرأي، لأن العملية النقدية ذات فعالية فكرية على غاية مرادة من التعقيد، ومن غير الممكن إحالتها إلى سبب واحد مهما كانت أهميته، ومن المستحيل إضاءة جوانبها من خلال منظور أحادي، أو شرحها بالإشارة المنفردة إلى هذا العامل أو ذاك.

لقد لقيت الفلسفة الإسلامية والعربية منا الشيء الكثير، من إنكارها، ومن ردها، ولكن مهما قيل من حجج ومهما سيقت من براهين، يبقى الفلاسفة نوابغ الكلام وسادة الفكر، فقد قدموا لتراثنا ميراثاً فكرياً لا يمكن نكرانه.

أخيراً كتاب" القضايا النقدية في رسائل أخوان الصفا وخلان الوفاء" للكاتبة "آلاء ياسين دياب" هو دراسة لصورة من صور التطور النقدي العربي القديم في ضوء التطورات الفكرية الكبرى التي طبعت العصر بطابعها، وبذلك تتضح أبرز التيارات الفلسفية التي كانت حاضرة في حركة النقد العربي، لأن ذلك يساعد على وضع التطورات النقدية العربية القديمة في إطارها الفكري المناسب. فهذه الدراسة تسعى للوصول إلى صورة النقد العربي في تفاعله مع الفلسفة الإسلامية والعربية، ما حققه وما يجب أن يحققه.

----

الكتاب: القضايا النقدية في رسائل أخوان الصفا وخلان الوفاء

الكاتب: آلاء ياسين دياب

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، 2019