يهتم هذا الكتاب بالمباني التراثية من الوجهة الإنشائية مع إدخال العوامل التاريخية والاقتصادية والسياسية التي أحاطت بها، وتوضيح العلاقة الكائنة بين الظروف الاجتماعية والاقتصادية والمرحلة التاريخية بما فيها من معتقدات ونظام الدولة من جهة وبين طابع الإنشاءات وطرازها من جهة أخرى.

قسمت الدكتورة "وفاء النعسان" كتابها "إنشاء المباني في التراث العلمي العربي والإسلامي في سورية" إلى ثمانية فصول: استعرضت في الفصل الأول إنشاء المباني كما وردت في كتب تراثية، بإجراء مسح شامل لما ورد من نصوص فيها إشارات أو لمحات إلى تفاصيل هندسية إنشائية من خلال جمل متناثرة في الكتب التراثية، وبخاصة التي ورد فيها وصف يتعلق بالمكونات الهندسية والمواد الرابطة، وتطور أساليب البناء، والعناصر الإنشائية المستخدمة في المباني التراثية، أو وصف إنشائي لبعض المنشآت المهمة التي لفتت انتباه الرحالة والمؤرخين العرب، وذلك في الكتب العلمية والجغرافية، والمصنفات التاريخية العربية والأجنبية، لمعرفة سمات المباني التراثية بغية تحديد مستوى المعرفة عن المكونات الهندسية وعلاقتها بالمنشآت.

وخصص الفصل الثاني لدراسة مواد البناء وطرائق الإنشاء في مبانٍ تراثيةٍ في سورية، يمكن بذلك رصد حركة التطور، ويساعد على تصور استعمالات مواد البناء، وطرائق الإنشاء في المباني التراثية بسورية، واختارت الكاتبة نماذج في مبانٍ من عصور متعددة كالعصور القديمة والكلاسيكية والإسلامية، وذات وظائف متنوعة لدراستها وتحليلها.

اتصفت المباني التراثية الإسلامية بعدة الخصائص منها: التنويع في العناصر الإنشائية ومراعاة التناظر وتغطيتها للفراغات واستخدام الزخارف النباتية والهندسية في الجمل الإنشائية ومشاهد الطبيعة، كما أسهمت الأذواق والرغبات الفردية في تكوين المنشآت العربية وأسهمت التقاليد الموروثة، ومواد البناء المتوفرة في كل منطقة، كما التيارات السياسية في تأسيس ملامح الجمل الإنشائية فظهرت معالم وطرز منها: الأموي والعباسي والفاطمي والسلجوقي والأيوبي والمملوكي والعثماني، فمع ظهور كل عهد سياسي تظهر اتجاهات وتأثيرات جديدة على العناصر الإنشائية لتعطي طابعاً مميزاً، وبدا ذلك في العناصر الإنشائية كالقباب والمآذن والأسقف والفتحات والعقود والأعمدة وفي النقوش والزخرفة المرافقة لها.

وأفردت الكاتبة للفصل الثالث الحديث عن مبانٍ طينيةٍ في قرى سورية، واستعرضت أهم الخواص الإنشائية لمادة الطين، ومكوناتها وطرائق إنشائها، وبينت تأثير المباني الطينية على البيئة في تأديتها لوظيفتها الإنشائية إضافة إلى اقتصادياتها.

تضمن الفصل الرابع تحليلاً لعناصر إنشائية في مبانٍ تراثيةٍ في سورية، كالبنية التحتية والجدران والفتحات والشرفات والأعمدة مع عرض للأشكال والصور التي تخص هذه المباني ورسوم هندسية للتحليل الإنشائي.

قدمت الكاتبة في الفصل الخامس تحليلاً لعناصر إنشائية أخرى حاملة في مبانٍ تراثيةٍ في سورية، كالأسقف والأدراج والأقواس والمآذن والقباب مع عرض للأشكال والصور التي توضح عناصر المباني والأمثلة والرسوم الهندسية للتحليل الإنشائي.

تناول الفصل السادس دراسة هندسية في مبانٍ تراثية قديمة في حلب، مثل الجامع الأموي الكبير والبيمارستان الأرغوني الكاملي وجامع العادلية حيث تم رصد خصائصها وأبعادها وأشكالها والمعلومات اللازمة عنها، إضافة إلى الدراسة التحليلية لها، ودراسة مدى مطابقة أعمال التنفيذ لما ورد في الوصف الوارد في الكتب التراثية.

ضم الفصل السابع دراسة هندسية في مبانٍ تراثية أخرى مجدّدة بحلب مثل المطبخ العجمي وحمام يلبغا الناصري وخان الشونة، وهذه المباني تتبع لعصور متعددة وذات وظائف متنوعة حيث تم رصد خصائصها وأبعادها وأشكالها والمعلومات الهندسية اللازمة عنها إضافة إلى الدراسة التحليلية لها.

أما الفصل الثامن فقد تناول دراسة هندسية في مبانٍ تراثيةٍ عصرية بحلب، مثل دار غزالة ودار دلال ودار أجقباش وثانوية المأمون وفندق بارون، وتمت دراستها بغية معرفة مكوناتها الهندسية وخصائصها وأشكالها.

وفي نهاية الكتاب لخصت الكاتبة النتائج التي توصلت إليها، ومن هذه النتائج: اعتمد البناء العربي في إنشاء المباني التراثية على مادة الحجر لتوافرها بكثرة في عدة أماكن في المدة العربية، واستخدمت في الجوامع والأبواب والقلاع والأسوار والحمّامات والمدارس من العهد الأموي فالعباسي فالأيوبي فالمملوكي فالعثماني حتى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي. وفي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي بدأ التغير في بعض المباني المهمة في الوطن العربي حيث دخلت تأثيرات الغرب وظهرت الأبنية التي تحمل البيتون المسلح، وصارت المباني تحمل هوية العصر من غير التقيد بالأسلوب العربي الأصيل.

استعمال البيتون المسلح قلل من المواد المستخدمة في الإنشاء، وبالتالي وفر بالتكاليف وفي المساحات، وساعد على الإكثار من الفتحات على الساحات الخارجية، مما وفر الطاقة الكهربائية المستخدمة في الإنارة، وزاد من استخدام الطاقة للتبريد صيفاً وللتدفئة شتاء.

----

الكتاب: إنشاء المباني في التراث العلمي العربي والإسلامي في سورية

اسم الكاتب: د. وفاء النعسان

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، 2021