يرجح العديد من الرحالة والعلماء بأن اسمه الحقيقي هو "يحيى بن حبش بن أميرك" ولقبه "شهاب الدين السهروردي"، فكتبوا "شهاب الدين يحيى بن حبش بن أميرك السهروردي".

ذكر الشهرزوري في مخطوطه "نزهة الأرواح وروضة الأفراح" بأن كنيته "أبو الفتوح"، حيث قال في نص له "لم يزل طريق الحكمة مسدوداً مضطرباً حتى طلع كوكب السعادة وظهر صبح الحكمة من أفق النفس وأشرقت أنوار الحقائق من المحل الأعلى بظهور مولانا سلطان الحقيقة، أفضل المتقدمين والمتأخرين لب الفلاسفة والحكماء المتألهين، شهاب الملة والحق والدين أبو الفتوح السهروردي قدس الله نفسه وروحه". والمؤكد بأنه معروف في دنيا العلم بأنه شهاب الدين السهروردي.

رحلات ختامها حلب

ولد السهروردي في منتصف القرن السادس الهجري بين سنتي 1150 و 1155 ميلادي في قرية سهرورد، وهي قرية قرب مدينة "زنجان" بين الجبال في شمال غربي إيران.

تعلم القراءة والكتابة في مدة قصيرة في طفولته لدرجة كان الجميع يتحدثون عن ذكاء الطفل وعن سيره في طريق تختلف كل الاختلاف عن جيله. وفي بداية شبابه ترك سهرورد متجهاً إلى مدينة أصفهان التي بدت مركزاً هاماً للعلم والفلسفة، قرأ هناك "بصائر ابن سهلان الساوي" وليتصل اتصالاً مباشراً بمذهب ابن سينا حيث ترجم رسالة "الطير" من العربية إلى الفارسية، وكتب فيما بعد شرحاً على "الإشارات". وهكذا أحيا في مطلع شبابه في جو فكري يموج بالمشائية، ويعود ذلك لاتصاله الدائم بشيوخ المشائيين لا سيما خلال سفرة له إلى مدينة ماردين، والتقى بالشيخ المشائي فخر الدين المارديني وتتلمذ على يديه لفترة، ومن ثم انتقل إلى الأناضول وبلداتها. ويؤكد الشهرزوري بأن الشيخ ويقصد به "السهروردي" كان يفضل الإقامة في ديار بكر، والتقى بأمير خربوط عماد الدين قلج أرسلان وأهداه كتابه "الألواح العمادية"، وبعد هذه الرحلات الطويلة انتهى به المطاف بمدينة حلب أثناء حكم الملك الظاهر بن صلاح الدين الأيوبي.

التقرّب من الأمير

ويقال إنه كان أستاذاً يتمتع بالجاذبية، يجتمع حوله محبوه لسماع آرائه الفلسفية الجديدة وبمشاركته الممارسات والتجارب الصوفية، وساهمت شخصيته التي لاقت الاستحسان بأعجوبة في تقربه من الأمير الحاكم، وما لبث أن أصبح الأمير التلميذ المخلص له. ومن الواضح أن السهروردي الذي تبنّى النظرية الأفلاطونية، سعى إلى تدريب الظاهر ليصبح ملكاً حكيماً، لدرجة بأن هيمنته على الأمير قد أثارت غيرة بعض الفقهاء، لتبدأ فترة الذرائع والفتن ضده.

اعتبر السهروردي أن إمام الحكمة وصاحب النور هو أفلاطون، وهو صاحب كلمة الحكمة الذوقية، وهرمس أبي الحكماء، وأنباذوقليس وفيثاغورث من عظماء أساطين الحكمة، ومن حكماء فارس جاماسق وفرشاوشتر، وبوذر جمهر، وقد اعتبر أن هذه الشخصيات سلفه الروحي.

البحث الدائم

كان كثير السفر والتجوال، شديد الشوق إلى التعرّف على مشارك له في علومه، ولم يحصل له على ذلك. وهذا ما يؤكده السهروردي نفسه في نهاية كتابه "المطارحات" فيقول "قد بلغ سنّي إلى القريب من الثلاثين، وأكثر عمري في الأسفار والاستخبار والتفحّص عن مشارك مطّلع على العلوم، ولم أجد من عنده خبر عن العلوم الشريفة ولا من يؤمن بها".

الخوض في الفلسفة

التزم في كتبه ورسائله بالتقسيم الثلاثي التقليدي للعلوم الفلسفية من منطق، وطبيعيّات، وميتافيزيقا. في المنطق اهتم بنظريتي القول الشارح والبرهان، ومنطق الألفاظ والقضايا وباب المغالطات، وفي الطبيعيّات عالج مسألة المادة والجسم والصورة والهيولى والزمان والحركة، وعلم النفس، وفي الميتافيزيقا، الواحد والكثير، ونظرية الصدور والعقول العشرة، والنبوّة والأحلام والتناسخ.

وله ما يقارب خمسين مؤلفاً ورسالة منها (حكمة الإشراق، هياكل النور، التلويحات اللوحية والعرشية في المنطق والطبيعيات والإلهيات، التنقيحات في أصول الفقه، المشارع والمطارحات، اللمحات في الحقائق، المناجاة، الرمز المومى، طوارق الأنوار، البارقات الإلهية، النفحات السماوية، لوامع الأنوار، اعتقاد الحكماء، الدعوة الشمسية، تسبيحات العقول والنفوس والعناصر، شرح الإشارات، كشف الغطاء لإخوان الصفا، الكلمات الذوقية والنكات الشوقية، التعرف للتصوف، الأسماء الإدريسية، الألواح العمادية، بستان القلوب...).

شهادات وآراء

هناك الكثير من العلماء والباحثين والرحالة ممن تحدثوا عن السهروردي، فمثلاً كتب ياقوت الحموي في "معجم الأدباء": "كان فقيهاً، شافعي المذهب، أصولياً، أديباً، شاعراً، حكيماً، متفنناً، نظاراً، لم يشاطره أحد إلا أفحمه"، أما تلميذه الشهرزودي فيذكر "كان مبرزاً في الحكمتين الكشفية والبحثية بعيد الغور فيهما لا يدرك شأوه ولا يلحق غوره". ومن المفكرين المحدثين يقول الدكتور إبراهيم مدكور "لشيخ الإشراق شأن في تاريخ الفكر الإسلامي، بدأ أثره في النصف الثاني من القرن السادس للهجرة وامتد صداه إلى اليوم".

وفاته

سجن شهاب الدين السهروردي على يد الملك الظاهر بأمر من أبيه صلاح الدين الأيوبي، وقتل في السجن، وهناك خلاف حول زمن وفاته بمقدار سنتين؛ حيث يذكر العماد الأصفهاني في كتابه (البستان الجامع لتواريخ الزمان) أن وفاته سنة 588 هجرية. أما ابن أبي أصيبعة فيذكر بأن وفاته كانت في الخامس من رجب سنة 587 هجرية، حيث كان عمره نحو ست وثلاثين سنة، ويتفق معه اليافعي وابن شداد وابن خلكان وماسنيون وريتر وبروكلمان وفان دي بيرغ. ويقال بأن الظاهر ندم على فعلته بعد ذلك وقبض على الذين وشوا به.

----

المراجع

[1] السهروردي، المؤلف د. ياسين الويسي، دار الفرقد دمشق 2009

[2] مقدمة كتاب حكمة الإشراق للكاتبة إنعام حيدورة , دار المعارف الحكمية 2010

[3] السهروردي، المؤلف سامي الكيالي، دار المعارف 2017