احتل كتاب "الميتافيزيقا" أو ما بعد الطبيعة مركز الصدارة بين مؤلفات أرسطوطاليس، حيث دخل هذا الكتاب ضمن كتابات أرسطو الباطنية، حيث جمع فيه فلسفته وكتاباته التي خطها في ظروف مختلفة وأطوار من حياته المتباينة.

ما بعد الطبيعة أو ما وراء الطبيعة أو الميتافيزيقا هو كتاب من تصنيف أرسطو، ويعتبر أول مؤلف في فرع الفلسفة التي عرفت بنفس الاسم، كما أن عنوان الكتاب "ما وراء الطبيعة" لم يضعه "أرسطو"، بل وضعه "أندرونيقوس الرودسي" الذي جمع كتب أرسطو في القرن الأول قبل الميلاد ووضع ترتيب الكتاب بعد كتاب "الطبيعة"، ومن هنا جاء اسم "ما وراء الطبيعة"، فهي مسألة ترتيب بالدرجة الأولى. ولعل "الرودسي" فعل ذلك متعمداً، فالمرء لا يتحدّث عما هو كامن وراء الطبيعة إلا بعد كلامه على الطبيعة. أما الاسم الذي كان يطلقه أرسطو نفسه على هذا الكتاب فهو "الفلسفة الأولى".

يتألف الكتاب من ثلاث عشرة مقالة ترقم بالأحرف اليونانية من الألف إلى النون؛ لكن مقالة الألف تقسم إلى قسمين: ألفا كبرى وألفا صغرى، وبذلك يصبح عدد المقالات أربع عشرة مقالة، وسنقوم بذكر ملخص لكل مقالة:

المقالة الأولى (الألفا الكبرى) تعرّف الفلسفة بأنها تفسير الأشياء بعللها وهي أربع: علة فاعلية، علة غائية، علة مادية، علة صورية، وهذه الأخيرة هي الأهم عند أرسطو. حيث يقوم "أرسطو" ببيان تاريخ الفلسفة قبله والتي ينتقدها لعدم الأخذ بهذه العلل الأربع، ولذا فإن هذا القسم مهم بالنسبة إلى تأريخ الفلسفة اليونانية.

أما المقالة الثانية (الألفا الصغرى) فهي موجزة ويشك في صحة نسبتها للكتاب بل وإلى أرسطو نفسه. وفيها يكرر نفس ما جاء في المقالة الأولى من أن الفلسفة هي البحث عن العلل النهائية.

بينما ضمت المقالة الثالثة (بيتا) حوالي 14 مسألة ميتافيزيقية، ويبين الحجج المؤيدة والمعارضة حيث تساءل فيها عن عدة أمور على شكل مجموعة أسئلة طرحها منها: هل علم ما بعد الطبيعة لا يشمل غير الجواهر، أو يشمل أيضاً الأعراض الخاصة بالجواهر؟ وغيرها من الحجج المؤيدة والمعارضة.

وفي المقالة الرابعة (الجما) طرح أن موضوع علم ما بعد الطبيعة هو البحث في الموجود بما هو موجود، أي من حيث وجوده فقط، كما يبحث في البديهيات وفي مبدأ التناقض.

كانت المقالة الخامسة (الدلتا) عبارة عن قاموس فلسفي، قدم فيها أرسطو ثلاثين تعريفاً مفصلاً لثلاثين مصطلحاً فلسفياً. ويميل الباحثون إلى القول بأن المقالة أدمجت في الكتاب فيما بعد، خصوصاً أن "ديوجانس اللائرسي" يذكر من بين تصانيف أرسطو رسالة بعنوان: (في الأمور التي تقال بعدة معانٍ)، ولم يذكر أرسطو في إيراد هذه الألفاظ أية قاعدة. وتناول أرسطو في المقالة السادسة (الابسلون) الشك الأول الذي وضعه في مقالة البيتا. كما يناقش المعاني المختلفة للوجود ويبين معنى الحق والباطل.

بينما المقالة السابعة (الزيتا) قام أرسطو بدراسة الموضوع الأهم في الميتافيزيقا وهو مشكلة الجوهر. وفي المقالة الثامنة (الإيتا) بحث "أرسطو" في الجوهر من ناحية الصورة والهيولى وحلل طبيعة هاتين الصفتين. بينما قام أرسطو في المقالة التاسعة (الثيتا) بالبحث في الجوهر منظوراً إليه في وجوده وتغيره على ضوء مبدأي الفعل والقوة وما يتعلق بهما وعلاقتهما المتبادلة، وبهذا ينتهي البحث الذي بدأه أرسطو في المقالة السادسة عن معاني الوجود. وختم أرسطو بحثه عن مبادئ الجوهر في المقالة العاشرة (الايوتا) وبدأ بالتحدث عن معاني الواحد.

أما بالنسبة إلى المقالة الثانية عشر (اللامدا) والمعروفة "بمقالة اللام" فتحتل المركز الرئيسي في الكتاب، ويرى باحثون وعلى رأسهم بونتس وبيجر، أن هذه المقالة تؤلف رسالة مستقلة عن باقي كتاب "ما بعد الطبيعة"، وموضوعها تقرير وجود محرك أزلي أبدي غير متحرك للكون، وقد اشتهرت "مقالة اللام" عند الفلاسفة المسلمين. أما بالنسبة إلى المقالتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة (المو والنو) فتنتقدان بالتفصيل المذاهب التي تضع مبدأ الحقيقة خارجاً عنها، أي التي تقول بالصور (المثل الأفلاطونية) أو الأعداد (الفيثاغوريون) وهما يؤلفان كلاً واحداً في نقد نظرية الصور ونظرية الأعداد.

وفي النهاية نجد أن كتاب "ما بعد الطبيعة" ركز على عدة مواضيع مهمة حاول تناولها أرسطو بمقالات عدة تحدثت عن الناس ورغبتهم في المعرفة، وأن الفلسفة هي العلم ببعض الأسباب والمبادئ، وأن علم ما بعد الطبيعة هو العلم الباحث في الوجود بما هو موجود وصفات الوجود الجوهرية، وهذا أعم الأشياء من وجهة نظر أرسطو.

----

الكتاب: ما بعد الطبيعة

الكاتب: أرسطو

تحقيق: د. عبد الرحمن بدوي

الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1995