يعد الشاعر سليمان العيسى جسراً وحلقة وصل بين جيلين من شعراء العصر الحالي، جيل التفت إلى القديم واتخذه مثلاً يحتذى به، وجيل خرج على القصيدة العربية من حيث وزنها وديباجتها، والتفت إلى الأدب الغربي.

بدأ الكاتب عبد اللطيف الأرناؤوط في كتابه "سليمان العيسى ومسيرته الشعرية الإبداعية" بإلقاء نظرة بانورامية على طفولة الشاعر سليمان العيسى، وهجرته من قريته في لواء الاسكندرونة، وكفاحه الوطني والقومي، وقوله الشعر بصورة موازية لتلك الأحداث. ويعد الشاعر سليمان العيسى الشعر رسالته الموجهة إلى الأمة وتعبيراً عن التزامه تجاهها، وتوزع هذا العطاء على أربع مراحل: المرحلة الأولى شعر البواكير، المرحلة الثانية شعر النضال، المرحلة الثالثة مرحلة الضياع، المرحلة الرابعة مرحلة النضج والكمال.

إن الشعراء القوميين لم يقصروا بتوعية الجماهير، لكنهم لم يجعلوا شعرهم وقفاً على القضية القومية، بل كان الأدب القومي جزءاً من نتاجهم، أما عند الشاعر العيسى فالمسألة القومية ظلت أبداً همه الكبير لا يغفل عنه حتى في شعر الحب والغزل والرثاء بل في شعر الأطفال والشعر الضاحك أيضاً.

يتابع الكاتب الأرناؤوط أن للشاعر نتاج أدبي حافل، شديد التنوع، فيه الشعر والنثر والترجمة وكتابات الأطفال المعروفة، أما نتاجه الشعري فثلاثة أنواع: شعر للكبار ومسرح شعري للكبار والصغار، شعر الأطفال.

للشاعر مجموعة دراسات ومقالات نثرية كان ينشرها في المجلات، تم جمعها في كتاب سمّاه (دفتر النثر)، وكان الشاعر غزير الإنتاج، حيث بدأ كتابة الشعر في عمر العاشرة، ومارسه مدة ستين عاماً، لم يكن تعبيراً ذاتياً عن نفسه بل كان شعره رسالة للأمة.

ومن شعره:

رست في تربة الماضي

كلُّ ظليلة في الترب تُرسي

ولكني لكي أنمو وأحيا

أنا ابن غدٍ، ولستُ ابناً لأمسِ

كانت المرأة في نظر سليمان العيسى هي الجمال في أحلى صوره وأبدع تجلياته. هي نبضة الشهر الأولى، منذ كان النبض، وكان الشعر، هي التي وضعت الكلمة الجميلة على شفتي أول محب، فأصبح شاعراً.

وتبدو الذاكرة البصرية والفضاء المكاني الإطار المفضل لديه، إذ يحتل المكان اللوحة الشعرية دائماً، فهو لم يزر عاصمة أو منتجعاً أو أثراً إلا كان المحرّض له في قول الشعر، فحتى الأمكنة الهامشية التي مرّ بها خلّدها في شعره سواء كان مقهى شعبياً أو ينبوع ماء أو فندقاً مريحاً.

حبي النبع وحورياته

أنا والنبع هنا.. لن نبرحا

نعصر الشعر المصفّى قبلا

ومواويل (العتابا) مُلحا

ها هنا كل حصاةٍ شاعرٌ

كل عنقود قصيد فَصُحا

فلسطين

تربع سليمان العيسى على عرش الشعر القومي خمسين عاماً، فلم تفتر له عزيمة، واحتل مكان الصدارة بين شعراء العروبة منذ الخمسينات، وظلّ وفيّاً لرسالته في بعث الأمة العربية، وتحرير أجزائها المغتصبة، وتوحيد شملها المشتت على الرغم من بواعث اليأس والمثبطات التي كانت تحبط عزائم أصحاب الرسالات العظيمة من أمثاله.

شدي جراحك من جديد

وامشي على ومض الوعود

وتكلمي لكن بألسنة

اللهيب وبالحديد

الكتابة للأطفال

اتجه العيسى إلى الكتابة للأطفال بعد أن ناهز الخمسين عاماً مدفوعاً بحبه للطفولة، وعاكساً مأساة تشرده وهو طفل لما يتجاوز الخامسة عشرة من عمره، معبراً عن خيبة أمله بجيله من الكبار الذين لم يكونوا في مستوى المحنة القومية التي تعرض لها الشعب العربي.

----

الكتاب: الشاعر سليمان العيسى ومسيرته الشعرية الإبداعية

الكاتب: عبد اللطيف الأرناؤوط

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، 2021