غيّر ظهور شبكة الإنترنت الكثير من مناحي حياتنا، وساهم أيضاً في ظهور سلوكيات جديدة وأساليّب مختلفة في المجتمعات. ومما لا شك فيه أنّه بفضله أصبح العالم قرية صغيرة، وأصبحنا أمام عصرٍ من الانفتاح والتطور. وكان لهذا الانفتاح دورٌ إيجابي وحضاري أثّر بشكل واضح على عملية التعليّم في العالم أجمع.

ظهر ما يُعرف اليوم بالتعليم عن بُعد الذي يعتمد بشكل أساسي على الاتصال عبر شبكة الإنترنت واستخدام تكنولوجيا الحاسوب الحديثة، وذلك بشكل دورات تعليمية أو محاضرات دراسيّة تقدّمها بعض المواقع الإلكترونية والجامعات بشكل مجاني أو مدفوع. وشهد هذا النوع من التعليم إقبالاً كثيفاً نظراً لفوائده وتوفيره الوقت والجهد، بالإضافة إلى الميّزة التفاعليّة في عرض المواد التعليمية والتي تحفز المتعلم وتجذب انتباهه.

يرتبط هذا النوع من التعليم بفلسفة التعليم المستمر، ليس من أجل التعليم وحده، ولكن من أجل التعليم والتنمية، ومواجهة المتطلبات والحاجات والمهارات التي تُستحدث يوماً بعد يوم، ولذا ينظر إليه باعتباره تطوراً في الجامعة التقليدية ذاتها حتى لا تتخلف عن ركب الحضارة في تطوير نفسها، والدور الذي تلعبه في حياة المجتمع وللوسائل التي تتخذها لتحقيق هذا الدور، كي تحافظ على نفسها قوية في مجتمع اليوم الدائم التغيّر.[1]

تعريف

هو النوع أو النظام من التعليم الذي يقدم فرصاً تعليمية وتدريبية للمتعلم من دون إشراف مباشر من المعلم ومن دون الالتزام بوقت ومكان محددين لمن لم يستطيع استكمال الدراسة أو يعيقه العمل عن الانتظام في التعليم النظامي. ويعتبر بديلاً للتعليم التقليدي أو مكملاً له، ويتم تحت إشراف مؤسسة تعليمية مسؤولة عن إعداد المواد التعليمية والأدوات اللازمة للتعلم الفردي اعتماداً على وسائط تكنولوجية عديدة مثل الهاتف، الراديو، الفاكس، التلكس، التليفزيون، الكمبيوتر، الإنترنت، التي يمكن أن تساعد في الاتصال ذي الاتجاهين بين المتعلم وعضو هيئة التدريس.[2]

نشأ التعليم عن بعد منذ ما يزيد عن قرن من الزمان في شكل تعليم بالمراسلة لتقديم الخدمة التعليمية لأفراد محرومين من الحصول عليها وغير قادرين على الوصول إلى أماكنها المعتادة، إما بسبب بعدهم الجغرافي أو وضعهم الاجتماعي أو جنسهم أو ظروفهم المهنية، أو إعاقات جسدية، أو لأي سبب آخر.

وترجع بدايات ظهور التعليم عن بعد إلى أواسط القرن التاسع عشر، والتي جاءت معاصرة لإنشاء المؤسسة البريدية؛ حيث يعيد البعض ظهوره إلى دروس الاختزال بالمراسلة، والتي نظمها "اسحاق بتمان" سنة 1840 عند إنشاء المكاتب البريدية المنظمة الأولى في بريطانيا.

وقد توالى ظهور التعليم عن بعد ذلك في العديد من البلدان، ففي بريطانيا بدأ استخدامه في عام 1858 في جامعة لندن عن طريق التعليم بالمراسلة؛ وفي شيكاغو، وكذلك في عام 1892 في جامعة وسكنسن، وغيرها من البلدان التي شهدت نمواً منتظماً لخدمات التعليم بالمراسلة. وقد انتشر استخدام التعليم عن بعد إلى درجة كبيرة في العقدين الآخرين في مجالات التعليم والتدريب، وعلى المستويات كلها في معظم بلدان العالم.[3]

مراحل التطور

-مرحلة التعلم من خلال المراسلة البريدية.

-مرحلة التعلم من خلال الراديو أو الوسائل السمعية.

-مرحلة التعلم من خلال التلفزيون أو الفيديو كوسائط تعليمية.

-مرحلة التعلم من خلال الراديو التفاعلي.

-مرحلة التعلم من خلال التلفزيون التفاعلي.

-مرحلة التعلم عن بعد من خلال الكمبيوتر وشبكة الإنترنت.[4]

الأهمية

لقد كان لازدياد الطلب الاجتماعي على التعليم، دافع هام للبحث عن أساليب جديدة تتماشى مع الأعداد الكبيرة عليه، خاصة وأنه يعتمد على جهد الدارس أكثر من مشاركة المعلم. وتظهر أهميته في أنه:

-يمكن من خلاله تقديم برامج ثقافية لمعظم شرائح المجتمع.

-يعمل على توفير الفرص التعليمية لكل راغب فيه، بصرف النظر عن العمر أو الجنس أو الظروف المعيشية.

-يحقق رغبة الدارسين وحصولهم على درجات علمية متعددة.

-يمكن أن يسهم في تثقيف المجتمع، وخاصة في تناوله للموضوعات التي تخدم شرائح المجتمع المختلفة.

-يتفوق على التعليم التقليدي في أنه أقدر على الإسهام في البرامج التنموية الثقافية.

-يعمل في التنمية الاقتصادية على تدريب الأيدي الماهرة والمدربة والمتخصصة في المجالات كافة، وذلك من خلال تنفيذ البرامج التعليمية ذات الصلة بالحاجات التنموية للمجتمع.

-يحقق درجة عالية من التوازن والمداومة بين مطالب المجتمع المتغيرة والحاجات التعليمية المتنوعة.[5]

مبادئ

نجد أن هناك بعض المبادئ الأساسية التي يقوم عليها التعليم عن بعد من أهمها:

-مبدأ الإتاحية Accessibility: وتعني أن الفرص التعليمية في مستوى التعليم العالي متاحة للجميع بغض النظر عن كافة أشكال المعوقات المكانية والموضوعية.

-مبدأ المرونة flexibility: وهي تخطي جميع الحواجز التي تنشأ بفعل النظام أو بفعل القائمين عليه.

-تحكم المتعلم: ويعني أن الطلبة يمكنهم ترتيب موضوعات المنهج المختلفة بحسب ظروفهم وقدراتهم، واختيار أساليب تقويمية كذلك.

-اختبار أنظمة التوصيل: وذلك نظراً لأن المتعلمين لا يتعلمون بنفس الطريقة، فإن اختيارهم الفردي لأنظمة التوصيل العلمي (بالمراسلة، بالحاسوب والبرمجيات بالهوائيات، باللقاءات) يعد سمة أساسية لهذا النمط من التعليم.

-الاعتمادية Accreditation: وتعني مدى مناسبة البرامج الدراسية ودرجاتها العلمية للأغراض المتوخاة منها مقارنة بغيرها، ومن زاوية أخرى فهي تعني الاعتراف بهذه البرامج وآلياتها وقابلية محتواها للاحتساب في مؤسسات مختلفة.

ومن أهم المبادئ أيضاً:

-مبدأ ديمقراطية التعليم

-مبدأ برمجة التعليم وتفريده

-مبدأ ضبط المتعلم عملية تعلمه

-مبدأ إثارة الدوافع الذاتية

-مبدأ تطوير التعليم والاستمرارية.[6]

أهداف

تتمثل الأهداف في:

-تقديم خدمات تعليمية لمن فاتتهم فرص التعليم في كافة مراحل التعليم.

-إيجاد الظروف التعليمية الملائمة والتي تناسب حاجات الدارسين للاستمرار في التعليم التربية المستديمة.

-تقديم البرامج الثقافية لكافة المواطنين وتوعيتهم وتزويدهم بالمعرفة.

-الإسهام في تعليم المرأة وتشجيعها على ذلك.

-مسايرة التطورات المعرفيّة والتكنولوجية المستمرة.

-الإسهام في محو الأميّة وتعليم الكبار، وذلك دون الحاجة للانتظام في صفوف دراسية.[7]

مميزات

-قدرته على توصيل التعليم لكل أولئك الذين حرموا من الوصول إليه سواء لأسباب تعليمية أو جغرافية أو اجتماعية أو إعاقات جسدية أو غيرها.

-يعتمد على أكثر من وسيلة في نقل المعلومات للمتعلمين، حيث تتعدد وسائله ومصادره بدلاً من الاعتماد على مصدر واحد كما هو الحال في التعليم التقليدي.

-مرونته في القبول والتعليم والتعلم، حيث أصبح بإمكان المتعلم استقبال تعليمه في أي وقت وفي أي مكان.

-يعتبر التعليم عن بعد أقل تكلفة من نظام التعليم الأخرى، حيث هناك اقتصاد في النفقات.

-وهناك مميزات للمتعلمين من ناحية الشعور بالمسؤولية، حيث يضع النظام مسؤولية كبرى للتعلم على المتعلم.[8]

أنواعه

ويقسم التعليم عن بعد من حيث النقل إلى نوعين:

-النقل المتزامن (Synchronous Delivery): حيث يكون الاتصال والتفاعل مباشرة أي في الوقت الحقيقي (Real Time) بين المحاضر والطلاب (الدارسين) في مؤسسات التعليم المختلفة من جامعات ومعاهد ومدارس وذلك في حالة التعليم عن بعد، وكذلك هو الوضع عند إقامة بعض الدورات التدريبية من على البعد.

-النقل اللامتزامن Asynchronous Delivery: وفي هذا النوع يقوم المحاضر بنقل وتوصيل أو توفير المادة الدراسية بواسطة أشرطة الفيديو، أو عبر جهاز الكمبيوتر أو أي وسيلة أخرى، والطالب (المتلقي) من الجانب الآخر يتلقى أو يتحصل على المواد في وقت لاحق (أي ليس في نفس الوقت).[9]

مبررات اللجوء إلى التعليم عن بعد:

البعد المكاني -عدم تكافؤ الفرص التعليمية -ضياع فرصة التعليم في السن المحدد -عدم وجود الفرصة في الجامعة -ظهور عدد من التخصصات البينية -عدم القدر على التفرغ من العمل -التحول المهني أو الوظيفي -عدم توفر أعضاء هيئة التدريس -عدم كفاء التعليم التقليدي - محو الأمية الأبجدية وتعليم الكبار -الكلفة العالية للتعليم التقليدي.[10]

معوقات

-تحديات الشبكة: إن شبكة الإنترنت مفتوحة ويصعب السيطرة عليها وفيها ترويج لبعض الأيديولوجيات الضارة والفن الإباحي، ما قد يؤدي إلى بعض الآثار السلبية، وهذه من المشاكل العالمية للشبكة.

-القرصنة والخداع: وهذه المشكلات قد يلجأ إليها الطالب في كتابة الواجبات والتقارير والامتحانات عبر الشبكة، كما أن الشبكة تحتوي على مواقع ترفيهية كثيرة قد تسبب في إضاعة وقت الدارسين في أشياء غير مفيدة كالألعاب والدردشة وغيرها.

-التكلفة الابتدائية العالية: وهناك مشاكل أخرى منها التكلفة المادية الأولى لتطوير المواد التعليمية ووضعها على الإنترنت.

-تطوير النظم: هناك ضرورة لتطوير القواعد والنظم واللوائح الجامعية لتواكب الثورة المعلوماتية.

-التدريب: هناك حاجة إلى تدريب المدرسين لاستخدام التقنيات الحديثة.

-السيطرة النوعية: يجب التحقق من مسألة السيطرة النوعية ومستوى الدراسة وتقيم الطالب.

-القضايا الاجتماعية: المتمثلة في غياب حياة الحرم الجامعي وقلة الاتصال البشري، وما تتبع ذلك من ضعف المنافسة بين الطلاب ومسألة التلقي السلبي للمعلومات، لذلك فإن هذا النوع من التعليم للناس الجادين الذين لديهم روح الاعتماد على النفس، والذين لا تسمح ظروفهم بالتفرغ للدراسة وأغلبهم يجمع بين الدراسة والعمل.

-المخاوف التي تواجه علم أصول التدريس: هناك حاجة لتطوير علم أصول التدريس ليتلاءم مع المفاهيم التعليمية الجديدة، فعملية التعليم عبر الشبكة تتطلب من المدرس إعادة التفكير والنظر بإعادة تصور بنية المساقات الدراسية وإعادة التفكير بالعملية التقويمية أيضاً، ويجب أن يكون الجزء المتعلق بالتقويم مستمراً ومتواصلاً.

-الأعمال المختبرية: من المعوقات التي تواجه التعليم عن بعد عدم القدرة على القيام بالأعمال المختبرية بالنسبة إلى التخصصات العلمية والهندسية.

-انتحال الشخصية: يمكن انتحال الشخصية والفن والخداع على الشبكة بصورة أكبر في التعليم عن بعد.

هناك معوقات أخرى تتصل بالمنطقة العربية من أهمها:

-عدم دخول الانترنت إلى بعض البلدان العربية.

-أميّة المعلومات لدى بعض الشعوب العربية.

-تختلف البنية التحتية للاتصالات وضيق الحزمة المخصصة للاتصال، الأمر الذي يؤدي إلى بطء الاتصال بشبكة الإنترنت وعرقلة عرض المواد التعليمية التي تحوي الوسائط المتعددة.[11]

التعليم عن بعد والتعليم المفتوح

يذكر رونتري أننا نجد التعليم عن بعد داخلاً في منظومة التعليم المفتوح ولا نجد التعليم المفتوح داخلاً في منظومة التعليم عن بعد، لأن التعليم المفتوح يعمل على تمكين المتعلم كيفما كان من الوصول إلى العلم والتحكم به وذلك باستخدام مواد التعلم الذاتي. أما التعليم عن بعد فلا داعي أن يكون مفتوحاً. وتؤكد كتابات كثيرة على أن التعليم عن بعد جزء من التعليم المفتوح وليس مرادفاً له وأن أغلب التعليم العالي من بعد ليس تعليماً مفتوحاً. ويعرف معجم مصطلحات تكنولوجيا التربية منظومة التعليم المفتوح بأنها "منظومة للتعليم تتيح للناس جميعاً التعليم بغض النظر عن الشروط الرسمية للتعليم التقليدي".[12]

وفي الختام، يعد التعليم عن بعد فرصة ذهبية لكل شخص يرغب في تطوير مهاراته أو استكمال تحصيله العلمي، واعتماد عقلية التعليم المستمر لأن العلم بحر لا نفاد لمائه.

----

المراجع:

[1] التعليم عن بعد والتعليم المفتوح، الدكتور طارق عبد الرؤوف عامر، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، عمّان، الأردن، 2013. ص4.

[2] التعليم عن بعد، دكتور جلال عيسى، الدراسات العليا، جامعة بيشة، المملكة العربية السعودية. ص7.

[3] مرجع سابق، التعليم عن بعد والتعليم المفتوح، الدكتور طارق عبد الرؤوف عامر، ص11 – 12.

[4] مرجع سابق، التعليم عن بعد، دكتور جلال عيسى، ص10.

[5] مرجع سابق، التعليم عن بعد والتعليم المفتوح، الدكتور طارق عبد الرؤوف عامر، ص13-14.

[6] مرجع سابق، ص 14-15.

[7] مرجع سابق، ص 16.

[8] مرجع سابق، ص 20-21.

[9] مفهوم التعليم عن بعد، مـصـطـفى هـاشـم، موسوعة المستقبل، 2012 .

https://kenanaonline.com/users/mhae2016/posts/408930

[10] مرجع سابق، التعليم عن بعد، دكتور جلال عيسى، ص 15.

[11] مرجع سابق، التعليم عن بعد والتعليم المفتوح، الدكتور طارق عبد الرؤوف عامر، ص76-77-78.

[12] مرجع سابق، التعليم عن بعد، دكتور جلال عيسى، ص 17.