"المقابسات" هو أحد كتب أبي حيان التوحيدي الذي تخصص في الفلسفة العربية الإسلامية، حيث أرخ الكاتب مجالس الأدباء والفلاسفة، وبرزت فيه أهم الأفكار الفلسفية التي تطرق لها الأدباء والفلاسفة بأسلوب أدبي ولغوي يتسم بالبلاغة التي تميز بها أبو حيان التوحيدي.

يصنف كتاب "المقابسات" ضمن كتب الأدب والفلسفة وما يتصل بها من علوم البلاغة، ويُعتبر من أهم الكتب التي ألّفها التوحيدي وأكثرها تميزاً، كونه ذا جوهر وبناء لفظي متميز، فهو أقرب إلى أن يكون كتاباً فلسفياً متخصصاً يؤرّخ فترة خصبة من تاريخ الفلسفة العربية الإسلامية في القرن الرابع الهجري.

كما يعتبر التوحيدي أكبر الفلاسفة على الإطلاق بعد الجاحظ الذي اعتبره أستاذه في الأسلوب والفكر والمناظرة، حيث أبدع في التعبير عن أفكار فلاسفة القرن الرابع الهجري، وصارت كتبه سجلات لأفكارهم، التي قصدوها في العلم الإلهي، والعلم الطبيعي، والمنطق، والفلسفة والأخلاق والسياسة، وكل قضية اتصلت بالآداب والفنون.

لقد استطاع أبو حيان أن يعبر بلغة أدبية عن أعمق المشكلات، التي كانت تقلق بال الفلاسفة في عصره، حتى بدا كأننا، لأول مرة في تاريخ الأدب العربي، نشهد فناناً أصيلاً، لا يعجز فنه عن الاطلاع على أدق الحقائق الفلسفية، وغير الفلسفية.

ومعنى المقابسات أن يشترك اثنان أو أكثر في محاورة علمية أو فلسفية، فيقبس أحدهما العلم والمعرفة من الآخر ويعطيه ما عنده منها. والظاهر أن التوحيدي تجاوز هذا التعريف، فلم يعد محتوى الكتاب مقابسات تجري بين طرفين، بل محاورات وآراء واختيارات ومقالات ومحاضرات وأمال وضبوط جلسات ضمت إلى بعضها من دون ترتيب أو تبويب فشكّلت مادة كتابه "المقابسات".

اشتمل كتاب "التوحيدي "على موضوعات عدة في الفلسفة العربية الإسلامية طرحها على شكل مقابسات منفردة، وصل عددها إلى مئة وتسعة، تم تناولها في ثلاث أقسام منها:

القسم الأول، تناول الكاتب فيه عدة مقابسات، تحدث فيه عن وجوب تطهير النفس وتجريدها من الشوائب البدنية، وعن علم النجوم، وأوضح الطريقة التي حدث بها ارتباط السلفيات بالعلويات. وناقش أيضاً فكرة أن الإنسان قد يجمع أخلاقاً متباينة كما تحدث في الناموس الإلهي ووضعه بين الخلق، كما تحدث عن الزمان والمكان وتفاوت الناس في الفضيلة، وعن أن الأسباب هي مادة الحياة، فقام بوزن الأسباب التي تعد علة الموت، وعن ارتباط الإنسان بالله تعالى.

القسم الثاني، شمل مقابسات حول اختلاف الناس في المذاهب والمقالات والآراء والنحل، حيث يؤكد فيه التوحيدي على أن إنشاء الكلام الجديد أيسر على الأدباء من ترقيع الكلام القديم، حيث تحدث بعدة موضوعات فلسفية ومن أهمها أن مبدأ الجوهر هو الصورة والمادة، ومبدأ الحكم هو النقطة والوحدة، ومبدأ الكيف هو السكون والحركة كما في قولهم لم صارت الكيفية تسري في المكيف إلى الأول والثاني. وتطرق الحديث عن أن الإنسان إذا صور كلاماً يريد تأييده بطبعه جبراً عليه. كما تحدث عن حال النفس بعد الموت، وعن الفرق بين المنطق والنحو من المناسبة، وهل ما عليه الناس من السيرة والاعتقاد حق كله أو أكثره حق أو باطل كله أو أكثره باطل؟ وبين أيضاً أن اليقظة التي توجد بنا تكون بالحس وهي عبارة عن النوم والحلم والحس الذي يكون لنا بالفعل هو اليقظة.

القسم الثالث، تناول "أبو حيان" في هذا القسم عن عدة مقابسات تحدث فيها بلغة وكلمات بليغة شملت حكم رائعة وتعاريف فلسفية، وأوضح أن شرف العلم والمعرفة والفضائل يرجع إلى قلتها في العالم الذي نعيشه، وتحدث عن كلام لبعض الصوفيين، إلى جانب حديثه عن عيوب بعض من كلام الأوائل التي كانت منقولة بترجمتها، وعن المعاد وهل هو حقيقة أم مجرد تواطؤ من القدماء، وأوضح أنه لا يوجد في الدنيا خصلة يقوم الإنسان بالإحساس فيها إلى نفسه ولا يقوم بالحمد عليها إلا إذا علم بها. إن النوم هو الشاهد على المعاد إلى جانب إن هذا هو ذكر الصديق ويعد حقيقة الصداقة والفلسفة التي توجد في العشق والحب.

ومن خلال أبحاث وأقسام الكتاب، نجد أن الكاتب قام بجولة أبحاث واسعة في المصادر التراثية، لينتهي إلى سرد موسع مبرهن يعرفنا فيه على مضمون الكتاب ومقابسات أبي حيان التوحيدي.

----

الكتاب: أبو حيان التوحيدي، كتاب المقابسات

الكاتب: عبد الأمير الأعسم

الناشر: دار كيوان، 2009