في أربعينيات القرن الماضي تنبأ الروائي جون ستيوارت في مقال بعنوان (مستقبل الكتاب المطبوع) بزوال الكتاب المطبوع مع نهاية القرن العشرين, وكان مفتوناً آنذاك بالتطور اللافت الذي شهدته الوسائط السمعية البصرية.

عندما نشر الكاتب بيتر جيمس روايته في عام 1993على أقراص مرنة، قال إنه لم يكن مستعداً لردود الأفعال العنيفة التي عارضت فكرة طرح الرواية بهذا الشكل. وكان هجوم زملائه الصحفيين المعارضين لهذه الفكرة شديداً, حتى إن أحد المراسلين أخذ جهاز كمبيوتر ومولدة كهربائية إلى الشاطئ لإثبات السخرية من هذا الشكل الجديد من القراءة, الأمر الذي جعل جيمس يعلق قائلاً حينها: "كنت متهماً بقتل الرواية التي كانت تموت بالفعل بمعدل مقلق من دون مساعدتي".

ويأتي كتاب "نهاية الكتاب: لا يتوقف عن الموت (1841 ــ 1930)"، الصادر حديثاً بالفرنسية في نسخةٍ إلكترونية عن منشورات "بوبلي نيت"، ليعطي بعداً تاريخياً لهذا السؤال (هل يحل الكتاب الإلكتروني مكان الكتاب الورقي؟) حيث يكتشف القارئ معه أن نهاية الكتاب بعيدة كلّ البعد عن أن تكون فكرة جديدة: فالكتاب، في صيغته المتعارف عليها، لا يكف عن كونه في طور النهاية والموت منذ أربعينيات القرن. ولا ينشغل العمل بتبيان معقولية هذا الادّعاء من عدمها ــ ادّعاء موت الكتاب ــ بل يسعى إلى الكشف عن أنه ليس بالادّعاء الجديد، عبر إعادة نشر نصوصٍ تغطي قرناً من الزمن تقريباً، وضعها كتّاب وعلماء وصحافيون فرنسيون، وتنبأ كل منهم فيها بطريقةٍ لانتهاء الكتاب بصيغته المعروفة.

فها هو الكاتب شارل نودييه يتوقع، في مقال نشره عام 1841، بانحسار الكتاب حد الاختفاء مع انحسار "هواته" من القرّاء، في حين يتنبأ كل من أوكتاف أوزان وألبير روبيدا، في مقال نشراه عام 1894، بأن الصورة الفوتوغرافية، التي كانت اكتشافاً جديداً في ذلك الوقت، ستحل مكان الورق. أما الكاتب الساخر ألفونس ألّيه فقد اقترح، في عام 1900، استخدام نوعٍ من الحِبْر المؤقت لحل أزمة الورق التي عرفتها فرنسا في ذلك الوقت، بما يتيح إعادة استخدام الصفحات نفسها أكثر من مرة!

وفي الآونة الأخيرة ومع الانتشار السريع للكتاب الإلكتروني بشكل ملحوظ, لما يتمتع به من ميّزات تشدّ القارئ, ومنها على سبيل المثال لا الحصر, التوفير المادي, وسرعة النشر, وكذلك سرعة الوصول إلى الكتاب أو إلى بعض فقراته عن طريق روابط داخل الصفحة. وما يرافقه من فيديوهات وملفات صوتية وعروض تقديمية, سيما وأنه قدّم دعماً في العملية التربوية والأكاديمية, أغرانا بالالتفات إليه, بعدما بقينا ردحاً من الزمن نتصور أننا لن نتخلى عن كتابنا الورقي وعلاقتنا الحميمية معه, ففي كل صفحة فيه فتحناها وقرأناها ذكرى, نضمه إلى صدرنا بحنو ورفق, نضعه تحت وسادتنا حين يغلبنا النعاس ليلاً ونحن نقرأه. هذه العلاقة افتقدناها مع الكتاب الإلكتروني. أما وقد تربع على العرش الإلكتروني, ويشهد على ذلك تراجع مبيعات الكتب الورقية, فإنه من الواضح كمؤشرات أولية أن فن الرواية والقصص القصيرة والشعر, بالإضافة إلى الكتب التي تعالج موضوعات أكاديمية، هي التي تسيدتها التكنولوجيا, فيما بقيت كتب الفكر والتاريخ والسياسة, والتي ربما تحتاج لشريحة معينة من القراء مدمني الورقي, ظلت بمنأى عن الإلكتروني.

وكما يُشير فيليب إيتوان، أحد محرّري "نهاية الكتاب"، وناشره، فإن نهاية الصيغة الورقية من الكتاب لن تكفّ عن العودة إلى الأضواء في صيَغ جديدة مع كل اكتشاف تعرفه البشرية، منذ تحوّل الصحافة إلى وسيلة قراءة شعبية، مروراً بولادة المذياع، فالتلفزيون، وليس انتهاءً بالكومبيوتر والإنترنت. لكنْ رغم كل هذه التنبؤات والابتكارات العلمية - وفق ما يراه إيتوان - ما يزال الكتاب الورقي الصيغة الأكثر تداولاً بين الناس حتى اليوم، ولا يبدو، كما تُشير آخر الدراسات الفرنسية، أنه ذاهبٌ إلى الاختفاء في القريب العاجل.

----

الكتاب: نهاية الكتاب: لا يتوقف عن الموت (1841 ــ 1930)

الكاتب: مجموعة مؤلفين

الناشر: بوبلي نيت، باريس، 2022