"لقد قضيت خمسين عاماً من عمري لأتعلم الرسم كالأطفال". تلقي هذه الكلمات للفنان العالمي الفرنسي بابلو بيكاسو بكثير من الضوء على عالم الطفولة الغني بالخيال والأحلام، والرؤى، والعفوية، ما يضع الأدباء والباحثين والمفكرين، أمام مهمة جسيمة في بناء وتشكيل مفردات الخطاب الموجه للطفل على المستوى الفكري والنفسي والإبداعي. وهنا يبدو الأدب، بحوامله المختلفة، حقلاُ غنياً وثراً وخطيراً، في الوقت نفسه، في التوجه لعقل الطفل وروحه.

في كتابه "أدب الأطفال.. تاريخه ، خصائصه وفنونه" يسعى الكاتب عبد المجيد إبراهيم قاسم إلى وضع صورة عامة عن هذا الأدب، وأبرز ملامحه، مسلطاً الضوء على أبرز النتاجات الإبداعية للعديد من الأدباء الذين خاضوا في هذا الحقل، شديد الحساسية والخصوصية، ذلك أن الأطفال، كما تقول الباحثة بام براون "يخلصون لقوانينهم.. قوانين يضعونها لأنفسهم".

وإذا كانت ثقافة الطفل "استراتيجية تربوية مستقلة بذاتها، لها سماتها وخصائصها وأدواتها، وتشمل مجمل الأعمال الأدبية والتعليمية والترفيهية، الموجهة للأطفال خصيصاً، والتي يضعها الراشدون غالباً"، فإن أدب الطفل "دعامة من دعائم ثقافة الطفل، يهتم بميولهم واحتياجاتهم ويراعي خصائصهم وقدراتهم وطبيعة نمائهم من الجوانب العقلية والانفعالية واللغوية". ويرتكز هذا الأدب عل أسس فلسفية وتربوية ونفسية حديثة، ويهدف إلى بناء شخصية الطفل وتلبية احتياجاتها.

على الرغم من حداثة أدب الأطفال، ككتابة لها خصائصها وسماتها، لكن الأدب القديم عرف هذا النمط، بشكل بسيط، من خلال القصص والخرافات والحكايات الشعبية، كما ظهر عند المصريين القدماء، حتى إن الكاتب يلفت إلى أن والت ديزني ربما يكون قد استلهم شخصياته بعد زيارة للمقابر الفرعونية والإطلاع على نماذج من قصص الأطفال المصورة. كما عرفت الثقافة الهندية هذا النمط من الكتابة عبر حكايات "البانجاتانترا .. أو خزان الحكمة الخمس". ويمكن أن نجد مثيل ذلك في قصص إيسوب الشهيرة، حتى إن خرافات إيسوب كانت أول كتاب يطبع للصغار عام 1484 بعدما ظهر في أوروبا ما دعي بالألواح ذات الغاية التعليمية. ومن أشهر تلك الكتب "العالم المرئي المصور" للتشيكي أموس كومنيوس عام 1658 وهو أول كتاب مصور للأطفال.

وتعد فرنسا من أوائل الدول التي اهتمت بهذا النوع الأدبي حين ظهر جان دي لافونتين، أمير الحكاية الخرافية في الأدب العالمي، وله يدين العالم في "هندسة المرحلة التأسيسية لأدب الأطفال". كما كانت فرنسا سباقة في نشر روايات الأطفال على يدي صوفي دوسيغور. ولا يختلف الأمر عن ذلك في ميدان مسرح الطفل.

وبهذا الشكل بدأ أدب الطفل يأخذ مكانته في الكتابة الأدبية الأوروبية، وفي بلدان متعددة، حيث ظهر الألمانيان "الأخوان جريم مع سلسلة حكايات لعل أشهرها وأهمها في ذاكرتنا جميعاً حكاية (ليلى والذئب)". وعلى ضفة الأدب الإنكليزي ظهرت الأختان "آن وجريس تيلر". فيما شكل ظهور الدانماركي هانز أندرسن، في القرن التاسع عشر، إضافة كبيرة وغنية لأدب الطفل وكان رائداً على الصعيد الأوروبي، ومن أبرز مؤلفاته "فرخ البط القبيح 1846"، والكثير من القصص التي شكل بعضها جزءاً من ذاكرة الطفل الحكائية، وقدمتها الشاشة الصغيرة بمعالجات متعددة "الحذاء الأحمر، الأميرة وحبة الفاصولياء".

في البداية تمت كتابة الأدب الموجه إلى الطفل، في المرحلة التي سميت بالمرحلة التعليمية، بالطريقة نفسها التي كتبت بها تلك الحكايات للراشدين، سواء كانت نوعاً من الأساطير أو الخرافات القديمة، إذ إن معظم تلك النماذج تم صياغتها وكتابتها كما لو كانت لوناً من ألوان أدب الكبار حيث كان التوجه إلى الطفل، بما يتطلبه من خصوصية، غير واضح الملامح، وكانت الغاية الأخلاقية والتعليمية هي أساس منطلق هذه الكتابة وغاية التوجه في أهدافها.

وقد عرف العرب هذا النمط من الكتابة الأدبية حديثاً مع رائد كتابة شعر الأطفال رفاعة الطهطاوي الذي أصدر أول مجلة للأطفال بعنوان "روضة المدارس المصرية". فيما توجه العديد من الأدباء إلى الكتابة للطفل بمستويات مختلفة، وكانت الكتابة الشعرية أبرز ما خوطب به الأطفال آنذاك.

وعرفت التجربة السورية، في هذا الميدان، عدداً من الرواد أبرزهم: رزق الله حسون، وتصدر اسم الأديب الكبير سليمان العيسى مشهد الشعر الطفلي في كثير من الأعمال. وفي الوقت نفسه برز عدد آخر من الكتاب والأدباء العرب الذين توجهوا إلى الطفل في فني الشعر والقصة.

ويتوقف المؤلف عند خصوصية أدب الأطفال وطبيعته، في فصول يستعرض فيها تلك الخصائص التي تعنى بالكتابة انطلاقاً من ضرورة إدراك كيفية التوجه للطفل قياساً إلى عمره و"ثقافته" سواء على صعيد الفكرة والمحتوى، أو على صعيد الأسلوب واللغة، والحبكة والشخصيات، والعديد من النواحي الفنية، مشيراً إلى خصائص محددة تميز كاتب أدب الأطفال. وفي ميدان الشعر يتحدث عن أشكاله وأهدافه وموضوعاته وخصائصه. ويتناول فني القصة والمسرح الذي يتوقف عند نشأته، لما فيه من خصوصية، مبيناً طرائق الكتابة والتوجه والأهداف.

الكتاب ينطوي على سردية غنية في المجال الذي تخوض غماره، ليتعرف القارئ على تاريخ ونشأة الكتابة للطفل وأبرز محطاتها ومبدعيها في العالم، ويشكل مرجعاً للمهتمين في هذا الميدان.

----

الكتاب: أدب الأطفال.. تاريخه، خصائصه وفنونه

الكاتب: عبد المجيد إبراهيم قاسم

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، 2022