إن الباحث في تاريخ وفكر وأساطير ودين بلاد الرافدين القديم، سيجد نفسه أمام أسئلة كبرى تطرح نفسها عليه: ما هو مصيرنا؟ ومن يكتبه؟ وهل يمكن تغيير هذا المصير؟ وكيف؟ وهل هناك قوانين تسير هذا الكون وتنظمه؟ ومن المسؤول عنها؟ وماهي هذه القوانين (النواميس)؟ وما هي ألواح القدر؟ وما دورها؟ ومن خطّها؟ وأين حفظت؟ وما هي الأقانيم الثلاثة وأقنوم ألواح القدر، وأقنوم المصير، التي شغلت حياة وفكر العلماء وكهنة وفلاسفة سكان بلاد الرافدين منذ القدم.

يقول الباحث نزار كحلة في مقدمة كتاب "ألواح القدر": "إن الباحث في تاريخ الشرق العربي القديم في بلاد الشام والرافدين، يلحظ أنه أمام مجتمع غير عادي للعديد من الأفكار والمعتقدات وحتى الاكتشافات والاختراعات، وأنا لست متحيزاً بل اتفق مع الدراسات والأبحاث لأسبابها الموضوعية، والتي تتعلق بـالجغرافية والمناخ، وأسئلة ما هي أسباب النشوء أو الوجود، وهي أفكار فلسفية، قادت الإنسان كي يكون السباق في إيجاد وابتكار واكتشاف واختراع كل الإبداعات، وبرعت بهذه الأفكار بلاد الرافدين، وكان مفهوم الـ (مِهْ ـ مي ـ ME) في البدايات السومرية، وألواح القدر في العصر الأكادي، اللاحق ومفهوم المصير في العصر البابلي".

تناول الكاتب نزار كحلة في كتابه سبعة أبحاث وهي:

الأول: مجتمع بلاد الرافدين "في الفترة ما بين 3000 الى500 قبل الميلاد، كان مجتمع يبحث عن الحقيقة ومحاولة كشف خفايا وأسرار الطبيعة ومعرفة سر الوجود، لذلك جعل الدين في مقدمة اهتمامه".

الثاني: أبرز العقائد الدينية عند سكان بلاد الرافدين: "فكرة الموت وعالم مابعد الموت، والخليقة وأصل الوجود، السلوك والأخلاق والحياة الصالحة".

أبرز آلهة بلاد الرافدين الإلهان "أنشار وكيشار" وهما والدا الاله "آنو" إله السماء كما ورد في ملحمة الخليقة البابلية في اللوح الخاص بهما بذكر السماوات.

الإله إنليل, أيا, سين, شمش, عشتار, مردوخ, أدد, نبو, نرجال أو نركال, نينورتا, ننخورساك, نيسابا, نانشي, آشور, فالآلهة الرافدية مؤلفة بشكل عام من الآلهة السبعة الكبار والآلهة الخمسين العظام وأكثر من ألفين إله ثانوي.

الثالث: الـ (مِهْ ـ مي ـ ME): "وهي تعبر عن معنى أقرب ما يكون للقوانين المنظمة لحركة الكون بكل ما فيه من مفردات وسلوك الأفراد وأسرار وخبايا الصناعات العلمية والرؤية للوجود وحتى عالم ما وراء الطبيعة وعالم الموت وتحديد أقدار كل الأشياء حتى الآلهة".

الرابع: مفهوم القدر وألواحه في فكر بلاد الرافدين حسب التصور السومري.

وتطرق الكاتب لفكرة نتائج فقدان ألواح القدر, ولمفهوم المصير عند البابليين وعند الأكاديين ومحاولات خرق حتمية المصير والإنسان وعلاقته بألواح القدر.

وعنون الكاتب البحث السابع (مِهْ ـ مي ـ ME) وألواح القدر ومفهوم المصير من خلال أساطير وملاحم وتراتيل ومراثي بلاد الرافدين، كما ناقش الأسطورة وأنواع الأساطير مثل أسطورة الطائر أنزو وعقابه وقصة نينورتا وأنكي والسلحفاة وننماخ وخلق الإنسان وأسطورة نزول إنانا الى العالم السفلي وملحمة جلجامش، وأسطورة آدابا وجوديا وأسطورة إيرشكيجال ونرجال (ألواح القدر في العالم السفلي).

نتائج البحث

الفكر الرافدي، فكر خطه عباقرة هذا الشعب، والاختلاف الوارد بين الملاحم والأساطير، سببه الاختلاف في زمن كتابتها، عقيدة السومريين الدينية بعضها قائم في نصوص منذ بداية العصر البابلي، وألواح مِهْ ـ مي ـ ME أو النواميس الإلهية، ما هي إلا خلاصة الفكر الإنساني، وألواح القدر تغيرت وتبلورت مع ظهور الأكاديين، ومفهوم المصير تبلور في الألف الثاني والأول قبل الميلاد، وما هو إلا تطبيق فعلي لما ورد في النواميس، ولا يمكن اختراق هذه النواميس لأسباب تتعلق ببعض الكهنة وغاياتهم المشبوهة".

الباحث نزار كحلة: من مواليد سلمية 1970، إجازة في الآداب قسم التاريخ في جامعة دمشق، 2005 ،2006، يعمل في مجال البحث في تاريخ الشرق العربي القديم، وعضو في جمعية العاديات فرع سلمية. له كتب مطبوعة منها: ملكات عربيات عبر التاريخ، المدارس والتعليم في تاريخ الشرق العربي القديم، بلاد الشام والرافدين، غزوات شعوب البحر.

----

الكتاب: ألواح القدر

الكاتب: نزار محلة

الناشر: دار الباحث