يعد علم التاريخ علماً إنسانياً عالمياً، وقد وجد بوجود الإنسان، وبمرور الزمن وتنوع الأمكنة والأحوال شكلاً ومضموناً ونصاً ومفهوماً، والتاريخ الشفوي يطلق عليه تسمية تاريخ المسحوقين أو المهمشين أو التاريخ المروي عن الآخرين، أو ما سمعوه من أحداث جرت في الماضي.

الكاتب والمؤرخ نصار واكد واكد أعد بحثاً تاريخياً ربط فيه التاريخ الشفوي بمفهومه ومقوماته بالوثيقة التاريخية، واضعاً أنموذج أحداث الثورة السورية الكبرى 1925 بما تحمل من روايات شفوية وأحداث منقولة.

ويرى الكاتب أن العالم شهد في العقد الأخير من نهاية الألفية الثانية موجة من التحولات غيرت حياة المجتمعات كلها عما كانت عليه في العصور السابقة. وحقق علم التاريخ كغيره من العلوم قفزة نوعية بأدواته ومصادره المتعددة ومناهجه العلمية المتعلقة بالبحث التاريخي، ما أدى إلى نشوء ميادين جديدة منها التاريخ الشفوي، للوصول إلى الحقيقة التاريخية ووقائعها بموضوعية علمية.

إن تنازع آراء ونظريات حول تحديد شأن التاريخ الشفوي ودوره في إبراز المسكوت عنه في التاريخ ودور المهمشين في الحياة الاجتماعية والوطنية والإنسانية، خاصة في الألفية الثالثة التي شهدت قيام الثورة التكنولوجية وثورة الاتصالات في كل الميادين، أدى إلى خلق مجتمع مليء بالمتغيرات والتحديات.

والكتاب يطرح إعادة قراءة وتفسير مستمر للتاريخ ليشكل تطوراً تراكمياً، بمعنى إضافة المزيد لرصيد المعرفة باستمرار، وتكرار الماضي برؤية جديدة للماضي واختيار التاريخ الشفوي كمحور لأنه الطريق الأقدم والأحدث في صناعة التاريخ، باعتباره مدخلاً بل ثورة في مفهوم التاريخ المعاصر كونه تحول من تأريخ النخب والقادة إلى تأريخ الطبقات المسحوقة بما في ذلك دور المهمشين من صانعي الأحداث التاريخية، وإبراز للخصوصية الثقافية والاجتماعية في حياة الشعوب. وهذا ما أكدته منظمة اليونسكو في خطتها المتضمنة المحافظة على التراث الشفوي وجعله من محفزات التنمية.

وهنا يؤكد الكاتب الاهتمام بالتأريخ الشفوي من قبل مؤرخين بعد اكتشاف هفوات في التاريخ، ولا حرج في استخدام الروايات الشفوية التي تزود الباحثين بمصادر جديدة لدراسة الأحداث المعاصرة، تلك الروايات التي مازال بعض صانعيها على قيد الحياة، والتي تتضمن عدداً من الحقائق، تكشف عن أبحاث ومواضيع متعددة ومتنوعة، وتبنى عليها مواقف إيجابية أو سلبية.

الكتاب بمحتواه يتألف من بابين متكاملين هما التاريخ الشفوي والوثيقة التاريخية "دراسة منهجية"، ويتكون كل باب من عدة فصول، وعلى هذا النحو يعالج الباب الأول الرواية الشفوية في الكتابة التاريخية ودورها في توثيق الحقائق والأحداث التاريخية، محاولاً وضع أسس علمية منهجية في عملية تحويل الرواية الشفوية إلى تاريخ مدون، مع دعوة المؤرخين الباحثين في التراث الشفوي إلى الاهتمام بالرواية الشفوية، ولا سيما ما يتعلق بأحداث الثورة السورية الكبرى 1925 لكونها تربة خصبة تقدم الكثير من المعلومات عن تاريخنا الوطني.

يتضمن الكتاب عشرة فصول، أول تلك الفصول هو التاريخ الشفوي بداية من التعريف بالتاريخ والفرق بين التاريخ والتأريخ والعلاقة بين الرواية الشفوية والتاريخ الشفوي، وأهمية التاريخ الشفوي. والثاني نشأة التاريخ الشفوي والمؤتمرات الدولية حوله، مروراً بمنهجية البحث العلمي في التاريخ وتقنياته وإشكالياته المتنوعة. وموقف كل من المؤيدين والمعارضين لتدوين الروايات الشفوية، ودور الروايات الأدبية والتاريخية في التاريخ الشفوي، وتأريخ الرواية الشفوية.

كما درس الرواية الشفوية بصدد التدوين، والإشكاليات في التاريخ الشفوي، ومقارنة بين الروايات حول حدث واحد، والمستشرقين الأوروبيين والروايات الشفوية التي دونوها.

لعل أهمية التاريخ الشفوي تكمن في تسليط الضوء في كتابة التاريخ المعاصر والهدف الأسمى إثراء الكتابة التاريخية في المجال الوطني، نظراً لوجود إشكالية في التاريخ المدون الذي يعاني النخبوية والانتقائية والتركيز على الرواية الرسمية مقابل تجاهل دور الشعب في صناعة الحدث التاريخي. فالكثير من الأحداث المهمة في تاريخ سورية، كان لها الوقفات المهمة في التاريخ المعاصر، وبالتالي تنفرد الرواية الشفوية في إغناء أحداثها لأسباب متعددة، منها طبيعة العمل الوطني الهادف إلى مقاومة الاستعمار أو الانتداب الفرنسي لسورية، والنشاط السري وخاصة في الفترة الزمنية التي بدأت الشعوب فيها تتوثب لتحرير أرضها من المحتلين الأجانب.

----

الكتاب: التاريخ الشفوي والوثيقة التاريخية أحداث من الثورة السورية الكبرى 1925-1927 أنموذجاً.

الكاتب: نصار واكد واكد

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، 2022