شكل علم الجمال واحداً من أهم فروع الفلسفة المختلفة، فعلم الجمال أو علم الأستاطيقا علم حديث النشأة، انبثق بعد تاريخ طويل من الفكر الفلسفي التأملي حول الفن والجمال. كما يعد علم الجمال علماً قديماً وحديثاً في آن واحد، فقد اهتم اليونانيون بالفن من حيث علاقته بالخير أو دلالته على الحقيقة، وقد استقل هذا العلم في النصف الأخير من القرن الثامن عشر.

من خلال كتابه "فلسفة الجمال والفن" سعى إيمانويل كانط للوصول إلى منطق للذوق مماثل للمنطق الذي توصل إليه في مجال العلم والأخلاق، كما اعتبر أن نقد ملكة الحكم الذي يطلق عليه "النقد الثالث" العمل الرئيسي للفلسفة الجمالية الذي درس فيه ملكة الذوق لدينا والطريقة التي نحكم بها على العمل الفني، كما أعلن من خلاله عن كونية الحكم الجمالي، وميز فيه بين الجميل والرائع، وأكد على خلو الفن وبراءة الفنان من الجوانب النفعية بالفن واشتغاله للفن من أجل الفن فقط.

فالجمال من وجهة نظر كانط هو شعور بالرضا، ومع ذلك لا ينبغي الخلط بينه وبين اللطيف، فما هو لطيف يرضي الحواس (رائحة الورود) وما هو جميل موجه للعقل (كقصيدة)، فلكل شخص وجهة نظر. فما يرضينا قد لا يرضي الآخرين. لا أحد مطالب للاتفاق على الموافقة على اللون، فالجمال مفروض على الجميع؛ هو هدف الرضا العالمي.

يرى كانط من خلال كتابه "الحكم الجمالي" بأنه إذا أردنا أن نحصل على أشياء ممتعة ونسعى إلى تعزيز الخير الأخلاقي، فإن الجمال مطلوب لنفسه، إن هذا الإيثار هو الذي يجعل الأحكام كونية في الذوق أي أن "ما يرضي الجميع بدون مفهوم جميل"، وبالتالي تأتي المتعة الجمالية من اللعبة بين الخيال وفهم الشيء المدرك، فملكة الحكم تشكل في ترتيب ملكاتنا للمعرفة، مصطلحاً متوسطاً بين الذهن والعقل.

كما أحدث كانط ثورة في مجال الفنون، عندما قام بتعريف الجمال على أنه "التعبير عن الأفكار الجمالية"؛ وهذا ما يمنحه وحدته وقابلية الذوات للتمتع به دون غرض، لذلك يجب أولاً ملاحظة أنه لم يبق شيء تقريباً من مبدأ المحاكاة الكلاسيكية في نظرية كانط، حيث إن مفهوم المحاكاة بالمعنى القديم نفسه تم تهميشه في أقصى الحدود.

إن ما يكتبه كانط في هذه النقطة يجب تفسيره بشكل صحيح "كانت الطبيعة جميلة عندما ظهرت في الوقت نفسه مظهر الفن، فالفن لا يمكن تسميته بالجمال إلا إذا علمنا أنه فن وأنه يأخذ مظهر الطبيعة لنا"، حيث إن جمال الطبيعة يتم إنشاؤه عن قصد، بينما جمال أعمال البشر يحرر من الأغراض: كيف نتخيل أن مثل هذه الأشياء تأتي من الصدفة؟ كل شيء يناسب طبيعتنا؛ كل شيء متناغم مع روحنا. ومع ذلك، فإن الشعور الجمالي يعلمنا عن الطبيعة أقل من طبيعتنا.

في الجزء الثاني من الكتاب تعامل كانط مع مفهوم الغائية، أي فكرة أن كل شيء له غاية أو هدف، ولكنه في الحقل الجمالي في حاجة إلى نقد. في الواقع تقع الغائية بين العلم واللاهوت، ويقول كانط إن المفهوم مفيد في العمل العلمي، حتى لو كان من الخطأ افتراض أن المبادئ الغائية تعمل بالفعل في الطبيعة.

كما عمل كانط على معرفة صلة العبقري بالإبداع الفني، وحسب تصوره الجمالي تضع الطبيعة في بعض الناس موهبة خلق جميلة اصطناعية (فنية)، فالجمال الفني هو مجرد نوع مستمد من الجمال الطبيعي: وهو ما تنتجه الطبيعة عن طريق الإنسان. فالعبقرية موهبة لا يمكن تعلمها، إن العبقرية نفسها هي التي تضع قواعد الفن، وهذا يعني ما يجب أن تكون عليه لكي يتوافق جمالها مع الجمال الطبيعي.

كما عالج الفيلسوف إشكالية الجمال والحكم الجمالي في كتابه وقسم الملكات إلى ثلاثة أقسام:

-ملكة "المعرفة"، التي تحتل المرتبة الأولى في تسلسل الملكات، ومن خلالها يتم تحصيل المعارف وترتيبها وتصنيفها والقوة التي يؤديها تدعى "قوة الفهم".

-ملكة "الشعور باللذة والألم"، وتقوم على قوة الحكم، وتعتمد على مبدأ الغرضية، حيث إن مجال فاعليتها هو الفن والجماليات، حيث تفرغ كانط لشرح هذه الملكة في كتاب "نقد ملكة الحكم".

-ملكة "الرغبة"، حيث تقوم على قوة العقل، والمجال التي تمارس فاعليتها فيه هو الأخلاق، وتستند على مبدأ الإلزام والواجب الأخلاقي.

يُعد كانط من مؤسسي علم الجمال في صيغته الكلاسيكية والعلمية، وحلّل الجميل بدقة، بالإضافة إلى تحديد ماهية الفن، وعمل على تصنيف الفنون.

----

الكتاب: فلسفة الجمال والفن عند عمانوئيل كانط

الكاتب: إ. نوكس

ترجمة: د. محمد شفيق ثيا

الناشر: بحسون الثقافية، بيروت، لبنان، 1985