يتغير دماغنا بشكل كبير خلال فترة المراهقة. يُظهر بحث جديد كيف يمكننا استخدام هذا التحول لمساعدة المراهقين على تحقيق إمكاناتهم. كيف تتغير أدمغة المراهقين؟ عندما ننضج من الطفولة إلى البلوغ، يخضع دماغنا لتغيرات هائلة.

من أهم التغيرات التي يخضع لها الدماغ، يمكن أن نذكر:

- تقوم القشرة الأمامية ببناء الشبكات ثم تقليمها طوال فترة المراهقة، مما يساعد الدماغ على أن يصبح أكثر كفاءة. هذا يسمح بتوسع كبير في المهارات.

- في الفص الجبهي والجداري يعزز الدماغ الروابط الأكثر أهمية. يظهر هذا في عمليات تصوير الرنين المغناطيسي للدماغ كزيادة ملحوظة في "المادة البيضاء".

- تتطور بعض مناطق الدماغ بشكل أسرع من غيرها، ما قد يؤثر على السلوك. إذ تميل المناطق المرتبطة بالمكافأة إلى التطور بشكل أسرع من تلك المرتبطة بضبط النفس.

لا تزال عالمة النفس تيري أبتر تتذكر الوقت الذي شرحت فيه لشابة يافعة كيف يعمل دماغ المراهق: "لهذا السبب أشعر أن رأسي ينفجر!" ردت المراهقة بسرور.

قد يدرك آباء ومعلمي المراهقين هذا الإحساس بالتعامل مع عقل شديد الاحتراق. يمكن أن تشعر كأن سنوات المراهقة عبارة عن تحول صادم - تحول داخلي للخروج من العقل والروح يجعل الشخص لا يمكن التعرف عليه من الطفل الذي كان عليه من قبل.

في خضم هذا الارتباك، يتم تقييم المراهقين باستمرار لإمكاناتهم الأكاديمية - مع تداعيات يمكن أن تستمر مدى الحياة. لا يُحدد مصير أي شخص في سن 18 - ولكن السجل المدرسي الذي لا تشوبه شائبة سيجعل بالتأكيد من السهل عليه العثور على مكان في جامعة جيدة، وتوسيع خياراته للعمل مستقبلاً. ومع ذلك، فإن الأفعوانية العاطفية في تلك السنوات يمكن أن تجعل من الصعب للغاية على المراهقين الوصول إلى كامل إمكاناتهم الفكرية.

فقط خلال العقدين الماضيين أو نحو ذلك تمكن العلماء من رسم التغيرات العصبية عبر هذه الفترة الأساسية من التطور، وفك رموز ألغاز دماغ المراهق.

لا تساعد هذه الأفكار الجديدة والمثيرة في تفسير سبب شعور المراهقين والتصرف بالطريقة التي يتصرفون بها فقط. بل تظهر أيضاً أن بعض السمات التي يميل البالغون إلى العثور عليها صعبة أو محيرة لدى المراهقين يمكن تحويلها إلى قوة، واستخدامها لاكتساب المهارات والأفكار في وقت لا يزال فيه الدماغ مرناً.

بعد كل شيء، المراهقة هي أيضاً وقت القفزات المعرفية المختلفة. يبني المراهقون على الأساسيات التي تعلموها عندما كانوا صغاراً لتطوير طرق تفكير معقدة وناضجة.

قال جون كولمان ، عالم النفس السريري ومؤلف كتاب "المعلم ودماغ المراهق": قبل خمسين عاماً في المدارس لم يكن من الضروري أن يعرف الطلاب شيئاً عن البلوغ. وأعتقد أنه في غضون 20 أو 30 عاماً، سوف نسأل لماذا لم نساعد الطلاب على فهم ما يحدث في أدمغتهم. يمكن أن يحدث هذا فرقاً حقيقياً.

فهم دماغ المراهق

لا عجب أن العديد من المراهقين عبر التاريخ اشتكوا من شعورهم بأنه أسيء فهمهم. كانت تفسيراتنا التقليدية لسلوك المراهقين فجّة بشكل محبط. يمكن بسهولة إلقاء اللوم على المخاطرة، والتمرد، والاندفاع، أو هرموناتهم "الهائجة" وزيادة الدافع الجنسي.

غالباً ما تدعو شكاواهم من الألم العاطفي إلى السخرية. كما قالت عالمة الأعصاب سارة جين بلاكمور مؤلفة كتاب "ابتكار أنفسنا: الحياة السرية لدماغ المراهق": ليس من المقبول اجتماعياً الاستهزاء بالقطاعات الأخرى من المجتمع وشيطنتها ... الاستهزاء بالمراهقين وشيطنتهم.

حتى النظريات الأكثر علمية قد رسمت صورة غير متعاطفة إلى حد ما عن حياة المراهقين والتي من شأنها فقط أن تزيد شعورهم بالغربة. ففي الخمسينيات من القرن الماضي مثلاً اقترحت المحللة النفسية آنا فرويد أن المراهقين يحاولون "تطليق" والديهم وقطع روابطهم بالعائلة حتى يتمكنوا من المضي قدماً في حياتهم. كانت الفكرة هي أن "المراهق كان يعمل على إخراج الوالد من أثاثه الداخلي"، كما تقول عالمة النفس أبتر.

في حين أن هذه التفسيرات السابقة قد تحتوي على قدر ضئيل من الحقيقة، إلا أنها تفشل في مراعاة الفروق الدقيقة في تجارب معظم المراهقين. تشير المقابلات التي أجرتها أبتر مع المراهقين وأولياء أمورهم إلى أن المراهقين غالباً ما يتوقون بشدة إلى موافقة وقبول والديهم. لذا بينما هم بالتأكيد يريدون الاستقلال، فإن ذلك ليس بأي ثمن. مثل هذه الملاحظات لا تتوافق مع نظرية الطلاق.

إذا أردنا مساعدة المراهقين، تجادل أبتر بأننا بحاجة إلى إعطاء اهتمام أكبر لدقة ما يمر به المراهقون بالفعل - بما في ذلك التحديات الاجتماعية الهائلة التي يواجهونها. يتضمن ذلك بالضرورة إدراكاً للإحراج الذي قد ينشأ من التغيرات الجسدية في الجسم، والتوقعات الاجتماعية المتغيرة الموضوعة عليهم. في مثل هذه الحالات يمكن أن يبدأوا في الشعور بالغربة عن أنفسهم.

الطفولة المبكرة هي فترة التغيير الأكبر. ففي الأشهر القليلة الأولى من الحياة يبني الدماغ العديد من الروابط بين الخلايا العصبية، قبل تقليم المسارات العصبية الزائدة عن الحاجة، ما يسمح بشبكات أكثر كفاءة. تعني هذه "اللدونة" الفطرية أن دماغ الطفل مرن للغاية.

في العديد من مناطق الدماغ - مثل تلك التي تشارك في المعالجة الحسية - تميل هذه الشبكات إلى الاستقرار قبل فترة طويلة من المراهقة. ومع ذلك تظهر القشرة الأمامية مساراً مختلفاً، وتستمر في بناء الشبكات ثم تقليمها طوال فترة البلوغ والمراهقة وحتى مرحلة البلوغ المبكرة. في الفص الجبهي والجداري، يعزز الدماغ أيضاً الروابط الأكثر أهمية عن طريق إضافة غمد عازل دهني - يُعرف باسم المايلين - مما يحسن نقل الإشارات. في فحوصات الدماغ، يظهر هذا كزيادة ملحوظة في "المادة البيضاء" خلال فترة المراهقة.

متمردون مع سبب

تظهر دراسات تصوير الدماغ أن مناطق الدماغ المرتبطة بالمكافأة تتطور بشكل عام بسرعة أكبر من تلك المرتبطة بالتثبيط والتحكم في النفس. في المتوسط لديهم نشاط أكبر في إشارات الدوبامين - وهو ناقل عصبي مرتبط بالسعادة والفضول - مقارنةً بالبالغين والأطفال الأصغر سناً، مع ارتفاعات أكبر عندما يواجهون شيئاً جديداً أو مثيراً.

في ضوء ذلك، لا عجب أن المراهقين أكثر ميلاً لخوض تجارب جديدة. قد تكون إحدى النتائج متهورة ومحفوفة بالمخاطر في اتخاذ القرارات، ولكن هذا الفضول قد يجلب مزايا أيضاً: قد يساعدهم الاندفاع في علاقة رومانسية غير مناسبة على معرفة نوع الشريك الذي يناسبهم بشكل أفضل مثلاً.

ومن المثير للاهتمام أن البيانات تشير إلى أن المراهقين اليوم قد لا يكون من السهل إغراؤهم بالجنس والمخدرات وموسيقى الروك أند رول كما في الماضي، ولكن موقفهم الأكثر انفتاحاً بشكل عام سيظل واضحاً في العديد من المجالات الأخرى من حياتهم، مثل افتتانهم بالتكنولوجيا الجديدة. إن سعي المراهقين الدؤوب لتحقيق مصالحهم الخاصة - وتجاهلهم للسلطة - يمكن أن يساعد في تغذية التغيير التكنولوجي والاجتماعي والسياسي. تقول أبتر: لديك جيل جديد سوف يستكشف الحدود - لديك قدر كبير من الإبداع والمغامرة.

تقلب المزاج

يمكن تفسير تقلبات مزاج المراهقين بالمثل من خلال تفاعل العمليات الفيزيولوجية والنفسية المرتبطة بالنضج. لسبب واحد يعاني العديد من المراهقين من تقلبات أكبر في الناقلات العصبية والهرمونات مثل السيروتونين والكورتيزول - وكلها يمكن أن تغير مزاجهم.

يعاني المراهقون أيضاً من نشاط متزايد في قشرة الفص الجبهي الأنسي. تظهر الأبحاث أن النشاط في مناطق الدماغ المتعلقة بالتقييم الذاتي يميل إلى الذروة خلال منتصف فترة المراهقة، خاصة بالنسبة إلى المعلومات المتعلقة بالحالة. هذه القدرة على فهم التفاعلات الاجتماعية والشبكات مهمة بشكل لا يصدق في تكوين صداقات المراهقين، ولكنها قد تعني أنهم حساسون بشكل خاص تجاه الإهانات وعلامات العداء، ما يزيد من تعرضهم للقلق الاجتماعي.

قد يشعر آباء المراهقين بالمفاجأة بسبب المدة التي يمكنهم قضاؤها في التفكير في مشاعرهم. هذا جزئياً لأنهم لم يتعلموا بعد كيفية تفسيرها والاستجابة لها بشكل بناء. من الصعب جداً معالجة خيبة الأمل بشأن نتيجة الاختبار مثلاً إذا لم تواجه إخفاقاً خطيراً من قبل.

عندما يبدو أن المراهقين "مفرطون في الدراما" فإنهم ببساطة يتعلمون أن يتنقلوا في تعقيدات عالمهم العاطفي بأنفسهم - وهي المهارات التي ستكون ضرورية في الحياة اللاحقة.

تحريض "دوائر المكافأة" في الدماغ

يجب أن تكون كل هذه النتائج ذات أهمية جادة للآباء والمعلمين الذين يأملون في توجيه المراهقين خلال تحديات الحياة، بما في ذلك متطلبات المدرسة - التي تلعب مثل هذا الدور المركزي في سنوات المراهقة. قد تكون هذه الدروس ذات أهمية خاصة الآن، حيث يتعلم المراهقون التكيف مع حياتهم الطبيعية.

ضع في اعتبارك الانضباط. من الطبيعي أن تشعر بالإحباط من تمرد المراهقين - لكن حساسيتهم العاطفية والاجتماعية الشديدة تعني أنه من غير المرجح أن يستجيبوا جيداً للغضب. تقول أبتر: يبدو أن الصراخ مغرٍ للغاية، لكنه يأتي بنتائج عكسية. إنهم متيقظون جداً للرسالة العاطفية لدرجة أنهم لن يكونوا قادرين على سماع أي منطق تحاول نقله.

نظراً لزيادة نشاط الدوبامين في دوائر مكافأة المراهقين، يجب أن يساعد الثناء وردود الفعل الإيجابية أيضاً، خاصةً إذا تم تقديمها بسرعة. يقول كولمان: كلما حصلت على التعليقات بشكل أسرع، زاد تأثيرها. إن مجرد اختصار هذه العملية، وتقديم المزيد من الفرص لمدح الطلاب على عملهم الشاق، يمكن أن يؤتي ثماراً إيجابية.

يقترح كولمان شكلاً جديداً للدراسة عن طريق تلخيص ما تعلموه للتو أو محاولة الإجابة عن أسئلة جديدة حول الموضوع. هذا النوع من المشاركة الهادفة من شأنه أن يحقق أقصى استفادة من مرونة أدمغة المراهقين، وقدرتهم على استيعاب الحقائق ومعالجة المعلومات المعقدة - طالما أنهم يجدونها ممتعة.

----

بقلم: ديفيد روبسون

ترجمة عن موقع: BBC