يبيّن المفكر والناقد البريطاني تيري إيغلتون في كتابه "فلسفة الفكاهة" أن الضحك هو لغة الجسد، لكنه يفتقر إلى الإحساس الجوهري. وعلى الرغم من ذلك، فهو غني بالمعاني الثقافية، كما أنه ليس لديه أي معنى فطري، لكنه يتضمن تفكيكاً للإحساس في مستوياته الأعلى صخباً وتشنجاً، حيث ترمي الأنا الهوية إلى حالة من الفوضى المؤقتة، كما يحدث في الحزن والألم الحاد والخوف الشديد والغضب الأعمى، فينطوي الضحك الصاخب بالفعل على حالة من فقدان السيطرة الجسدية على النفس، ويخرج الجسد عن السيطرة بشكل مؤقت، فالضحك هو فوضى عنيفة بالمعنى الحرفي للكلمة.

يمكننا التعامل مع الضحك كنص أو كلغة مع العدد من اللكنات الإقليمية بحسب إيغلتون، كما أن تقييم أنماط الضحك ونغماتها تنتمي إلى ما يسميه أرسطو بـ "الفرونسيس" وهذا يعني مهاراتنا العملية الاجتماعية.

نظرية الفكاهة

تشكل نظرية الفكاهة التي تنص على أنها كشكل من أشكال الراحة، أساساً لرؤية مؤثرة على نطاق واسع لها، وهذا ما يعرف بـ "نظرية الإطلاق"، حيث يرى فيلسوف القرن /17/ إيرل شافتسبري أن الكوميديا هي إطلاق لأرواحنا المسجونة الحرة بطبيعتها، في حين رأى كانط أن الضحك تأثير ناتج عن التحول المفاجئ من توقعات عالية إلى لا شيء، ما يجمع نظرية الإطلاق مع مفهوم التعارض، كذلك ادعى الفيلسوف الفيكتوري هربرت سبنسر أن البهجة تنجم عن تدفق الشعور السائغ الذي يتبع انقطاع إجهاد عقلي غير مستحب. يبيّن فرويد أن الدعابات تمثل إطلاقاً للطاقة العقلية التي تستثمرها عادة في الحفاظ على بعض الموانع الأساسية الاجتماعية، عبر تخفيف مثل هذا النوع من قمع الأنا العليا، فنوفر الجهد الذي يتطلبه اللاوعي ويستهلكه بدلاً من ذلك على شكل مزاح وضحك، وهذا ما دعي بـ "اقتصاد الفكاهة".

الضحك والتحريض الاجتماعي

يعتبر التحريض الاجتماعي وظيفة الضحك الأكثر شيوعاً، وتشير سوزان لانجر إلى أنه في الوقت الذي تحتاج فيه الفكاهة إلى دافع، فإن الضحك ليس كذلك، وبطريقة مماثلة كتب كونديرا في كتاب "الضحك والنسيان"، أن هناك نوعاً من الضحك يكون دون قصد (يعبر عن الفرح في وقته الحاضر، كانفجار جمهور مسرحية هزلية من الضحك)، فإنهم يستجيبون لموقف ما على خشبة المسرح، لكن أيضاً يستجيبون لمعنويات بعضهم البعض العالية، فيفرحون بترابطهم وصحبتهم اللحظية التي تعزز هذا الشعور.

وفي المجلد الرابع من "تريستام شاندي" يتحدث ستيرن عن طموحه في بناء مملكة الأشخاص ذوي القلوب الضاحكة، فعندما نضحك سوياً فإن ذلك يعني تشارك المشاعر الجسدية والروحية، لكن هذا الضحك يمثل دحضاً للثنائي الديكارتي، فليس هناك أي معنى لهذه التبادلية عدا إمتاع الذات، وهذا هو السبب أن لديها تشابهاً معيناً مع الفن، فالفكاهة من هذا النوع هي نقد ضمني للعقلانية، إنها موجودة ببساطة من أجل متعة التواصل.

الطرفة والنكتة

للطرفة مغزى، ولهذا السبب تُشبه في بعض الأحيان بأنها سيف ذو حدين في السرعة والرشاقة والانسيابية وخفة الحركة، واللمعان والسطوع والبراعة والبروز والتصادم والمظهر الباهر، لكنها أيضاً تستطيع أن تطعن وتجرح، حيث يمكنها أن تتسبب بتعذيب القلب بحدتها وسرعتها في حالة العدوانية، كما يمكن استخدام ومضة من الفكاهة لتوجيه ضربة قوية، ولصد الإهانة كذلك، بالإضافة إلى إثارة وجهة نظر معينة.

والنكتة يمكنها أن تظهر بشكل طبيعي في السياق المناسب الفوري، وهي نوع من الكلام الذي يستطيع المرء من خلاله أن يهاجم الآخرين على نحو لافت للنظر، ويحمل معنى بشكل ضمني، كذلك النكتة نوع من التعليق الذي يتمنى المرء لو كان يستطيع إخراجه للعلن.

وقد كتب ألكساندر بوب في إحدى مقالاته عن نقد الطرفة باعتبارها شيئاً ذا حقيقة مقنّعة، لكن الطريقة العفوية والارتجالية التي تبدو من خلالها الطرفة مُتقنة من دون مجهود تجبر الناس على تقبلها، وتعطي فكرة خاطئة عن الدهاء الذي يتم استثماره بها.

وهناك سياق يمكن أن تكون فيه الطرافة نوعاً من الفكاهة أكثر من طريقة حياة، والطريف هو الشخص الذي عادة ما يكون ذكياً، كما أن النكات أو الدعابة هي أمور متفرقة، وعطلة قصيرة من الواقع، والنكات هي أحداث، في حين أن الطرافة تعبر عن الرغبة العامة، وغالباً ما تكون النكات قطعاً من الخيال، لكن الطرفة ليست كذلك.

وملذات الطرفة تعتبر معقدة، فنحن نبتهج في الوقت نفسه من البراعة الفنية للمشهد، وبراعة الأداء، والاقتصاد الموفر للجهد للغة المختصرة، واللعب الحر للعقل، والتقلب، والتآمر، والمفاجآت، وتناقض المحتوى، والرضا الفكري، في حين أن الخبث أو الوقاحة أو الاحتقار الذي يتوارى وراء الطرفة يسمح لنا بالإفصاح عن بعض الأمور.

----

الكتاب: فلسفة الفكاهة

الكاتب: تيري إيغلتون

ترجمة: ماجد حامد

الناشر: الدار العربية للعلوم- ناشرون، بيروت، 2019