يرى الدكتور إمام عبد الفتاح إمام في كتابه "نساء فلاسفة في العالم القديم"، أن العادة التي أصبحت أقرب إلى البدهية الواضحة بذاتها أن نقول: إن تاريخ الفلسفة (لا سيما الفلسفات القديمة) هو تاريخ الفلاسفة من الرجال، وأن استعراضاً للفلسفة الغربية وما يرويه المؤرخون هو استعراض لأفكار الرجال ومذاهبهم. في الواقع أنه رغم خضوع النساء الطويل للرجال واستعبادهن وعزلهن عن الحياة العامة، وعدم إتاحة الفرصة لهن للمشاركة في ثقافة العصر، فإننا نجد هنا وهناك نساء لامعات كان لهنّ دورهن في البحث عن الحكمة منذ فجر الفلسفة.

كانت النساء الفيثاغوريات مثقفات ولهنّ اهتمامات أدبية وفكرية بارزة، وقد عشن إبان تأسيس المدرسة الفيثاغورية الأولى، حيث كانت ثيانو زوجة فيثاغورس أشهرهن جميعاً، وقد قامت مع بناتها أريجنوت ومييا ودامو برئاسة المدرسة الفيثاغورية بعد وفاة مؤسسها فيثاغورس.

ومن الفيلسوفات الفيثاعوريات إيزارا مؤلفة كتاب "عن الطبيعة البشرية" الذي لم يبقَ منه سوى شذرات قليلة. كذلك الفيلسوفة فينتس الإسبرطية، التي يروي عنها المؤرخون أنها ألفت كتاباً عنوانه "الاعتدال عند النساء"، ولم يبقَ منه سوى شذرتين تجسدان تصورات المدرسة الفيثاغورية عن النساء والرجال.

أيضاً من الفيلسوفات الفيثاغوريات البارزات بركتيوني (الأولى والثانية)، وهناك إشارات تدل أن من حمل الاسم فيلسوفتان؛ الأولى ألفت كتاباً بعنوان "هارمونيا النساء"، والثانية ألفت كتاب "سوفياس"، حيث تشير الشذرات المتبقية من الكتابين إلى أنهما ينسبان إلى فيلسوفتين مختلفتين، وتذهب بعض الروايات إلى أن بركتيوني الأولى هي أم أفلاطون، حيث أشارت بعض الدلائل إلى أن بركتيوني الأولى هي فعلاً فيلسوفة عاشت في أثينا زمن أفلاطون.

أسبازيا معلمة الخطابة

مواطنة ملطية وصلت أثينا في العام /450/ ق.م، وافتتحت فيها مدرسة لتعليم البلاغة والفلسفة، وقد التحقت بمدرستها كثيرات من الطبقة العليا، كما استمع الرجال لمحاضراتها ومن بينهم بركليز وسقراط، الذي كان يُعجب لفصاحتها ويدهش منها. ويُقال إنها هي من علمته فن البيان. وقد خلّدتها الوثائق التاريخية في عملين بارزين أولهما محاورة مينكسينوس لأفلاطون، والثانية في اللوحة الزيتية من الجص البارز الموجودة الآن على بوابة مكتبة جامعة أثينا.

ديوتيما

ليس هناك ذكر لشخصية ديوتيما في المصادر القديمة سوى محاورة "المأدبة". وتذهب بعض الحجج إلى أنها قد تكون شخصية من خلق سقراط. لكن الفيلسوف الأفلاطوني أ. تيلور لا يتفق مع كثير من الباحثين المحدثين الذين ينظرون إليها على أنها شخصية خرافية، ذلك لأن إدخال شخصيات خرافية وأسماء وهمية في المحاورة، هو في رأيه حيلة أدبية كانت مجهولة تماماً لدى أفلاطون.

جوليا دومنا

حتى بعد أن تقدمت بها السنوات، فقد وُهبت هذه المرأة كل مفاتن الجمال، وجمعت روعة الخيال ورصانة العقل وقوة الحكم. ويذكر فلوستراتوس أن حلقة جوليا الفلسفية كانت تتألف من علماء الرياضة والفلاسفة.

كذلك كانت تُشارك في حلقات السفسطائيين والفلاسفة، وتستمع لما يدور فيها من حوارات. كذلك اشتغلت جوليا بالفلسفة، ودرست الكثير من المشكلات والموضوعات الفلسفية، وأمرت بتأليف كتاب من الفيثاغورية المحدثة، وكانت على علم ومعرفة مباشرة بأفكار السفسطائيين القدماء، وبمعلمي الخطابة السفسطائية الثانية في عصرها. كما استخدمت سلطتها الإمبراطورية في حماية الفلسفة، وساعدت على ازدهار الفلاسفة، وأعطتهم المكانة التي يستحقونها، وأمرت بتأليف الكتب عنهم وتحليل أفكارهم ومناقشة فلسفاتهم.

هيباتيا فيلسوفة الإسكندرية

فيلسوفة مصرية وعالمة رياضيات، حيث كانت المرأة الأولى التي لمعت في ميدان الرياضيات واشتهرت كعالمة فيها. وكانت تلقي محاضراتها في المتحف. وقد هرع لسماعها عدد كبير من الناس من شتى الأقطار النائية. وقد بلغ حبها للفلسفة إلى حد أنها كانت تقف في الشارع وتشرح لكل من يسألها عن النقاط الصعبة من مؤلفات أفلاطون وأرسطو، كما درست أفلوطين والأفلاطونية المحدثة، وشددت على الحب الروحي الذي يتفق مع المذهب الأفلاطوني عموماً والأفلاطونية الجديدة بصفة خاصة.

كما كانت تحاضر في علم الهندسة والرياضيات والفلك. وإلى جانب تدريسها لفلسفة أفلاطون وأرسطو، قامت هيباتيا بتدريس فلسفة فيثاغورس وزينوفان والمدرستين الكلبية والرواقية، ويُقال إنها ركزت كذلك على تدريس بعض المؤلفات القديمة المتعلقة بالميتافيزيقيا والكسمولوجيا والأبستيمولوجيا أكثر من اهتمامها بالفلسفة السياسية والأخلاقية.

----

الكتاب: نساء فلاسفة في العالم القديم

الكاتب: د. إمام عبد الفتاح إمام

الناشر: مكتبة مدبولي، القاهرة، 1996