يتحدث الباحثون الاقتصاديون عن أول مجال طبقت فيه أسس الجودة، حيث كان ذلك في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية. وهذا خلق تقانية هائلة دفعت الولايات المتحدة الأمريكية في خمسينيات القرن الماضي للعمل وفقاً لهذه التقنية. ثم بدأ المفهوم يتسلل إلى جميع المهن وأنشطة الحياة في جميع أنحاء العالم.

تعتبر فلسفة إدارة الجودة الشاملة فلسفة إدارية ترتكز على عدة مفاهيم عصرية مدروسة، وتقوم على الدمج بين المبادئ الإدارية والأفكار الابتكارية والمهارات الفنية المتخصصة بهدف الارتقاء بالأداء والتحسين. أما في سورية فإن إدارة الجودة الشاملة تعد من المعارف الإدارية الحديثة التطبيق على الرغم من أهمية ذلك بالنسبة إلى القطاعين العام والخاص. فتحسين الجودة يؤدي إلى تحسين الإنتاجية وتخفيض الكلفة في آن معاً، وكل منهما يعد مطلباً مستقلاً بحد ذاته.

الجودة في التصنيع الغذائي عنوان عريض في مستقبل التصنيع القائم على الزراعة، وأي تحسين في موضوع جودة إنتاج الغذاء وتصنيعه، يعود الفضل الكبير فيه إلى جودة البحث العلمي والدراسات البحثية.

الدكتور أحمد الرصيص من مركز الدراسات والبحوث العلمية وأستاذ في المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا والجامعة الافتراضية السورية، تحدث في دراسة قام بها وعرضها خلال مؤتمر الجودة والغذاء الذي أقيم نهاية الشهر التاسع من عام 2022 حول بعض الأمور العلمية الأساسية التي يفترض اتباعها لتطوير القطاع الزراعي عموماً والصناعات الغذائية تحديداً وتعزيز التنافسية بين هذه القطاعات وأداء التصدير من منظور وطني خاص في هذه المرحلة، وذلك انطلاقاً من أهمية رسم خارطة عمل بطريقة منهجية تعتمد على البحوث العلمية وتتيح تحديد المشاكل والمعوقات التي تواجه هذا القطاع وتحليلها ومعرفة أسبابها الجذرية، وليس فقط علاج الأعراض، وهو المطب الذي يقع فيه الأغلبية عند إطلاق الأحكام المتعلقة بهذا الجانب.

سلسلة القيمة

سلسلة القيمة هي دراسة تعتمد ضرورة استخدام نهج سلاسل القيمة الذي أصبح يستخدم من قبل الكثير من المنظمات الدولية ودول العالم، وهو أكثر من أداة تحليلية لكونه يوفر إطاراً عملياً علمياً للمساعدة في تحفيز النمو وتحسين القدرة التنافسية للقطاعات. إن اتباع هذا النهج وفقاً للدراسة سوف يمكن عملية الربط بين الزراعة والصناعات الزراعية والقطاعات الأخرى الاقتصادية.

وعليه هناك ضرورة لجمع آراء كافة الجهات الفاعلة في السلسلة عندما تكون هناك مناقشة لقضية معينة، فقد بين الرصيص أن اجتزاء أي مرحلة من مراحل سلسلة القيمة وإغفال رأي باقي الأطراف في السلسلة على الأغلب يؤدي إلى الوقوع في مطبات كثيرة، فلا بد من جمع كافة أراء العناصر الرئيسية من مزارعين وجامعي محاصيل وتجار تجزئة. نظرا لأهمية سلسلة القيمة في معالجة الأسباب الجذرية للمشاكل والمساهمة في تعزيز الكفاءات داخل المكون الوطني الحامل للسلسلة. وهذا يتطلب دراسة كل مرحلة من مراحل السلسلة بعناية كبيرة ومعرفة كيفية تعزيز الكفاءات. الأمر الذي يحقق التقييم الكامل للأداء المنشود.

سلامة الغذاء

قد يسأل البعض ما علاقة منهج السلسلة الغذائية بسلامة الغذاء؟ هذا ما لفت إليه الدكتور الرصيص من خلال الإشارة إلى أن العديد من الدول في الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي تتبع منهج ما يسمى "من المزرعة إلى المائدة" تجاه المنتجات الزراعية، وتصر على إمكانية تتبع سيرها واختبارها والحصول على المنتج والأغذية المصنعة على شهادات الآيزو من وقت زراعتها وحتى وصول إلى مائدة مستهلكيها. هذا الأمر بالإضافة إلى ما يطبق تقليدياً هو من عمليات التفتيش على منافذ الدخول. وبالتالي مجمل الأمر المتعلق بنهج السلسلة هو اتباع الوسائل المعرفية الأساسية لضمان صلاحية وسلامة الأغذية المستوردة أو المصدرة. الأمر الذي يفرض على الجهات المعنية الاهتمام بكافة المواصفات الضرورية التي يفترض أن تواكب كافة مراحل سلسلة القيمة بدءاً من الممارسات الزراعية الجيدة إلى الممارسات الصناعية الجيدة إلى ممارسات الصحة الجيدة إلى مواصفة iec وإلى مواصفة iso فلكل مرحلة من مراحل سلسلة القيمة اهتمامات يجب الانتباه إليها بدقة مع دراسة كل مرحلة. وبحسب ما تشير إليه منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة: إن الغذاء المأمول يتطلب إدارة المخاطر من المزرعة إلى المائدة.

الجانب التقني

يقول الرصيص: قمنا باتباعه هذا النهج في المكتب الناظم للجودة، وقمنا بتحليل سلسلة القيمة للحمضيات، وكان الهدف هو تحديد احتياجات سلسلة القيمة من مدخلات البنية التحتية للجودة. فتم تحليل السلسلة بكافة مراحلها بدءاً من الزراعة إلى مرحلة القطاف إلى مرحلة الفرز والتوضيب والتخزين والتسويق والنقل. وتمت مناقشة كل مرحلة من مراحل سلسلة القيمة انطلاقاً من البنية التحتية للجودة والتي تعتبر جانباً مهماً من جوانب التجارة الدولية طالما هناك اهتمام لمعالجة شاملة لموضوع الجودة، وضرورة مشاركة كافة الأطراف الفاعلة من التجارة الدولية وعمليات التصدير التي يجب أن تقوم بها الشركات والجانب القانوني والمالي وعمليات التامين وتمويل الصادرات والجانب التقني الذي يتعلق بضمان المصادقة، وهناك جوانب لوجستية وجوانب التسويق من إعداد دلائل ومشاركة في المعارض.

ومن خلال حديثه حول الجانب التقني الفني يجيب الرصيص عن أحد التساؤلات الهامة المتعلقة بالصادرات وهو: لماذا تعاني الصادرات عند الانتقال من بلد إلى آخر من صعوبات وخاصة العوائق الفنية؟ مشيراً إلى أن ذلك يعود إلى اختلاف التشريعات الفنية والمواصفات ومقاييس الجودة بين بلد وآخر. فهذه التشريعات الفنية والمواصفات تخضع لإجراءات تقييم مطابقة خاصة بهم، ويندرج ضمنها موضوع المختبرات وجهات التفتيش ومنح الشهادات. فلكل بلد أنظمته، والخلاف بين الأنظمة بين هذه البلدان هو الذي يخلق العوائق الفنية أمام التبادل التجاري الدولي. وعليه فإن التغلب على هذه العملية يحتاج إلى منهجين اثنين. الأول هو الاعتراف المتبادل بالمتطلبات الوطنية، والثاني هو إنجاز التوافق والتجانس التقاني المعتمد على الدراسات الدقيقة.