يشير الكاتب والناقد المسرحي السوري د. هيثم يحيى الخواجه في كتابه "مسرح المونودراما، تجربة الفنان تمام العواني أنموذجاً"، إلى أن أعظم الكتّاب في المسرح هم الذين التصقوا بالخشبة، وعايشوا العروض المسرحية عن قرب، لأنهم يكتبون نصوصهم من واقعهم وخبرتهم بأسرار الخشبة.

يعتقد د. الخواجه أن المونودراما فن ذو جذور قديمة في تراثنا، خاصةً أن الإنسان الفرد حاول أن يبدع سمات تميزه من غيره من بني البشر، وأن يشد الانتباه إليه بأعمال مثيرة، وسرد لحكايات مشوقة.

والمونودراما هي فن الممثل الوحيد، والممثل الفرد يؤدي دوره وأدوار شخصيات أخرى من دون أن توجد هذه الشخصيات على خشبة المسرح، ويمكن استخدام خيال الظل أو الأصوات (تجاوزاً) على اعتبار إدخالها ضمن حلم الممثل وخيالاته وتصوراته وأحلامه.

وتعكس المونودراما ما يختلج النفس من أفراح وأحزان وطموحات وآمال في زمان ما ومكان ما، ومن خلال حدث أو أحداث، وصراع أو صراعات، سواء أكان ذلك مع النفس ذاتها أم مع الآخر المتخيل أو المتصور. والمونودراما هي دراما عدة أفراد يؤديها فرد واحد، وإن استعان ببعض الممثلين، فإنه يمكن أن يكون ذلك من خلف الستارة، أو حتى على الخشبة، شريطة أن يظلوا صامتين طوال العرض كله. والمونودراما فن يعتمد على السرد، وإن وُجد الحوار فهو حوار مع النفس، ينطلق من منظور أحادي ورؤية أحادية.

ويوضح د. الخواجه الاعتقاد الخاطئ بأن مسرحية المونودراما هي مونولوج يؤديه الممثل من أول المسرحية إلى آخرها، وهذا ما جعل الكثيرين يفشلون في كتابة نص مونودرامي جيد. فالمونودراما مسرحية تعتمد لغة أقرب إلى الشاعرية، وتتضمن جدلاً مع النفس، وتستخدم أساليب ملونة ومختلفة في اللغة التي من أهم صفاتها (التكثيف والتركيز).

وكتابة النص المونودرامي تحتاج إلى كاتب مسرحي يتقن الكتابة المسرحية إتقاناً جيداً، يمكنه خلق شخصية حية واقعية من لحم ودم لها تطلعاتها، وآمالها وآلامها، من خلال حبكة درامية تشدّ الجمهور، وتسعى لإقناعه بما يجري على المسرح.

تجربة تمام العواني

يبيّن د. الخواجه في كتابه أن الحديث عن الحركة المسرحية في سورية يدعو إلى الفخر والاعتزاز، لما قدمه هذا الوطن من عروض مسرحية نوعية متميزة، وتجارب تُعدّ أنموذجاً للمسرح التجريبي الناهض. ويقول د. الخواجه: "في هذا الكتاب نتحدث عن المؤلف والمخرج والممثل تمام العواني، وثمة سؤال قد يطرحه بعضهم: لماذا كل هذا الاهتمام بتمام العواني؟"، ويجيب: "إن هذا الفنان عاصر الحركة المسرحية منذ كان فتياً، ويُعد من المنخرطين فيها انخراطاً حميماً في حله وترحاله منذ 50 عاماً حتى اليوم، ولقد كان مخلصاً ووفياً للمسرح، وشارك في العديد من الفرق المسرحية، ولم يترك عرضاً لغيره إلا حضره، أو ندوة أو محاضرة تخص المسرح إلا وشارك بها، والأهم من ذلك أنه بدأ منذ عقدين من الزمان يعمل على مشروعه الخاص، وهو تقديم عروض "مونودرامية" منطلقاً من حبه لهذا المسرح، وإحياء هذا الرافد المسرحي الذي قلّما أنجزه ممثل، أو اهتمت به فرقة في حمص".

إن مسرحيات مونودراما تمام العواني تُسهم في فتح بوابات الحوار بين الواقع وانعكاسه فنياً، وهي حوار ثري بتقانات الإضاءة، والمناقشة والنقد والتحفيز من أجل الأفضل، وتجاوز العوائق والإهمال ونظرات الاستخفاف.

وإذا كان من الضروري أن يستجيب العرض لراهنية الحدث لكي يبدو مشوقاً ومغرياً ومدهشاً، فإن جهوده تندرج ضمن هذا المفهوم بقوة واقتدار، مزاوجة بين الخط الدرامي للحدث وفق الرؤية الناقدة التي يتكئ العرض عليها لتمرير فكرته، وتعميق التواصل مع المتلقي على جسور غايات فنية وفكرية سامية عليا.

الغربال

في مسرحيته الغربال التي بدّل عنوانها ثلاث مرات ضمن هواجس التجريب التي حكمت صلاته بفن المسرح طويلاً، يعبر صوت الممثل الوحيد تمام العواني عن أسف عميق لما وصلت إليه أحوال المسرح دون تحقيق الأرب، ونظراً لطموح المسرح إلى تحقيقه معادلاً فنياً للحياة نفسها، يمضي الممثل الوحيد في هذه المسرحية في تعبيره المتنوع عن ذلك من خلال تأكيده أهمية فن الحوار، مادام الحوار سبيلاً إلى جسور العلاقات بين البشر، وتمتين أواصرها، فاعلة في تطلعاتها الحميدة إلى حياة اجتماعية تمنحها ثلاثية التعاضد والتعاون والتآزر انطلاقتها الواثقة إلى غاياتها السامية.

وفي الغربال يعود تمام العواني بالذكرى ثلاثين عاماً من العمل المسرحي، ولا ملجأ إلا الموسيقا، بعد أن فقد الحوار مع الناس بالمسرح، على الرغم من أنه ضروري لمزيد من الوعي والحب والود والعلاقات الطيبة. لكنّ العواني يُصر في لبوس ممثل هذه المسرحية متنوع الأداء، على إقامة المشاريع المسرحية ما دامت الشمس تُشرق.

إذاً يتحدى رجل المسرح تمام العواني نفسه ممثلاً ومخرجاً ومؤلفاً في عروضه المونودرامية، وهذا التحدي أنتج عروضاً مهمة ومتفوقة، ذلك لأن أدواته التعبيرية تنطلق من الصدق والمصداقية، وعروضه تنطلق من إيمان مطلق بأهمية المسرح ودوره في المجتمعات، فهو مراجع واعٍ ودقيق لأدواته المسرحية، كما هو لصيق بالأصالة الفنية، لكي يقرب المسافة بينه وبين المتلقي، ويؤسس خطاباً مسرحياً يعكس الهموم الحقيقية للإنسان العربي في ظل ظروف متغيرة ومعقدة وصعبة.

----

الكتاب: مسرح المونودراما، تجربة الفنان تمام العواني أنموذجاً

الكاتب: د. هيثم يحيى الخواجه

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، 2022.