وُلد د. عادل العوا في دمشق عام 1921 ودرس في مدارسها الحكومية. وفي العام 1938 سافر إلى فرنسا، ليحصل على درجة الليسانس ثم الدكتوراه من جامعة السوربون اختصاص الفلسفة. وفي العام 1945 عاد د. العوا إلى سورية، ليبدأ حياته العملية بالتدريس في المدارس الثانوية ودار المعلمين في دمشق، حتى افتتاح كليّة الآداب والمعهد العالي للمعلمين في جامعة دمشق عام 1946.

يعود الفضل للدكتور العوا في تأسيس قسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية في جامعة دمشق، كذلك أسهم في أعمال اللجنة الثقافية لجامعة الدول العربية، وكان عضو مجمع اللغة العربية في دمشق، وعميداً لكلية الآداب منذ عام 1965 حتى 1973، كما ترأس قسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية حتى إحالته للتقاعد عام 1990.

وقد واكب الحركة العلمية والفلسفية والتعليمية، وكان فاعلاً ومؤثراً فيها، وأكثر ما ميزه أنه أبدع اصطلاحاته بعد أن أعمل فكره الانتقادي في الفكر والفلسفة، وكان من أبرز ما تناوله فكره "اللغة"، حيث رأى أنها رهينة التطور، كذلك اللغة العربية التي لا مجال لإنكار التطور فيها، فبحسب د. العوا لكل لغة خصائص ومزايا (ذاتية داخلية تتعلق بطبيعة اللغة نفسها، وخارجية زمنية بيئية تتعلق بتقدم المجتمع والعلوم وتنوع البيئات المكانية).

ويعتبر د. عادل العوا واحداً من أبرز المفكرين العرب المعاصرين، أغنى المكتبة العربية بالجديد من البحوث والدراسات والآراء الفلسفية والأخلاقية طوال عقود ثلاث، واتسم موقفه بالنقد الذي أحياناً كان ظاهراً، وأحياناً أخرى مبطناً بين نصوص الفلاسفة والمذاهب الفلسفية عبر التاريخ أو من خلالها.

ولقد اتخذ د. العوا من الإنسان منطلقاً له من أجل فهم الواقع، وفهم وجود الإنسان فيه، بعد أن دلف في محراب الفلسفة متخذاً من القيمة الأخلاقية معراجاً، ففي كتابه "القيمة الأخلاقية" يشير إلى (إنسان البحث الأخلاقي)، بأنه هو الإنسان الفرد أولاً، من حيث أن له وحدة ذاتية ماثلة في نمائه الحي، وهذه الوحدة قياسية تُحدّد بانخراط إنسان معيّن في ظروف عالم معيّن ووقت معيّن.

والأخلاق بحسب د. العوا تبحث أول ما تبحث بالإنسان الراهن المشخص، وتنظر إليه في ضوء واقعه الصحيح نظرتها إلى كائن يبذل جهده لتحقيق توازن بين فاعليات كثيرة تتوزع كيانه وتنهب وجوده، إنها تتناول الإنسان المشرئب إلى تنضيد مواقفه وتنظيم قيمه بما يحقق اتساقه مع الآخرين ومع الكون.

والتجربة الفلسفية من وجهة نظره، هي تجربة وصف لعمل الشعور، والإبداع الفلسفي تمرد يضيق ذرعاً بكل تحديد، شرطه هو شرط تحرير وصف الشعور من إساره، وإنقاذه من كل اتجاه نحو التطابق بالهوية والإغلاق لتفتح أمامه دروب التجدد والابتكار.

ولقد عُني د. العوا أكثر ما عُني بفلسفة القيم، وتجلى ذلك بوضوح في جلّ اهتماماته تأليفاً وترجمةً معربة عن نزوعه الوجودي القيمي.

علم أم فلسفة؟

في كتابه "العمدة في فلسفة القيم" يرى د. العوا أن للقيم دلالات شتّى، ومفهومها مفهوم متحرك، ويتمثل الإعراب اللفظي عنها في أحكام جرت العادة على تمييز نوعين أساسيين منها، هما (أحكام التقويم أو أحكام القيمة أو أحكام الوجوب)، وهذه تنتهي إلى اصطلاح "العلوم المعيارية"، و(أحكام الواقع أو أحكام الوجود أو الأحكام التقريرية)، وهي خاصة "بالعلوم الوضعية" على اختلاف أنواعها.

ويلاحظ د. العوا أن لأحكام القيمة تنوعاً وشمولاً كبيرين، حيث نجدها في المجال الديني والقضائي والأخلاقي والفني، وفي المنطق واللغة، وثمة أحكام قيمة نفعية وأخرى في مجالات الصحة والنسل واللذة والألم.

ويؤكد أن مقصد الفكر هو الذي يُضفي صبغة القيمة على المعنى، وييسر في الحق تمييز حكم القيمة عن حكم الوجود، على الرغم من خلاف الكثيرين حول علاقة أحكام القيمة بأحكام الوجود. وفي هذا الجانب يرى أنه يكون هناك حكم قيمة عندما يحكم المرء بأن لشيء أو لكائن قيمة، أو بأن له قيمة أكبر من قيمة غيره، وهذه قضية حقيقية، وكمثال قول "هذه الزهرة أجمل من تلك"، في مقابل أحكام الواقع (الوجود) كأن نقول: "هذه الزهرة مركبة".

وحكم القيمة بالنسبة إليه يختلف عن القيمة ذاتها، على الرغم من اتصالهما الوثيق، فحكم القيمة وسيط فقير، بالإضافة إلى غنى التقويم الذي يصدر عنه، ومضمون الحكم لا ينم إلا عن وجه أو جانب أو مبدأ، أي عن بُعد من أبعاد النشاط القيمي، وتبقى القيمة نفسها في أفق التقويم.

ويُشير د. العوا إلى أن البحث المباشر في النشاط القيمي هو بحث فلسفي بالدرجة الأولى، وهو بحث فلسفي في وقائع معقدة يرقى التعمق به إلى درجه الأنتولوجيا، بحث يتناول بعنايته القيمة التي تعزى لشيء أو فعل، كما أن السلم القيمي التسلسلي يمتد من إرضاء حاجات الجسد، إلى الأمنيات المتجردة التي يُضحى بالجسد نفسه في سبيلها، والقيمة لا تفصم الطبيعة بل تجاوزها وتتخذها عجلة للفكر، والقيمة تشهد على وجود الفكر وجوداً ناشطاً، إذ يحمل الفكر القيمةَ معه إلى كل مجال، وهذا يدلّ على خصب القيمة اللانهائي وقدرتها وإمكانها الفاعل، وفلسفة القيمة، لا علم القيمة، هو هذا كله، ويترتب على هذه الفلسفة أن تزود عن نفسها ضدّ خصم آخر (داخلي) هو الأنتولوجيا التقليدية، بعد أن نجحت في دفع دعوى الاختيارية الخصم (الخارجي).

----

المراجع

الكتاب: العمدة في فلسفة القيم

الكاتب: د. عادل العوا

الناشر: دار طلاس، دمشق،