يشكل التوثيق والتدوين نمطاً من أنماط الكتابة العربية ورؤية تحمل العديد من الآراء والأفكار، وذلك بإقحام المذكرات الناقلة للواقع المعيش في اللحظة التاريخية عن طريق استذكار وقائع وأحداث شكلت في الذاكرة الجمعية القيم والمعارف الاجتماعية والوجدانية والوطنية. وحين نعود بالقراءة الى تلك الحقب الزمنية نشعر بأهمية اللغة المتداولة إضافة إلى المنهج الفكري والانتمائي.

رسم الدكتور عبد الرحمن الشهبندر في جبهة التاريخ المعاصر أيقونة خاصة به، فهو لم يكتف بما أتيح له من دراسة الطب ليكون طبيباً تقليدياً بين مجموعة من رفاقه الأطباء، بل اتخذ نهجاً وطنياً سياسياً وعانى ما عانه أي مناضل من أجل الهدف الذي رسمه لنفسه، إذ لا يمكن ذكر الثورة السورية الكبرى التي قادها سلطان باشا الأطرش عام 1925 من دون أن يذكر الموقف الوطني الانتمائي له، كواحد ممن ارسى دعائم ثقافة الثورة السورية الكبرى ونشر ثقافة الالتزام بالهم الوطني.

قام الكاتب محمد كامل الخطيب بتحقيق وتقديم مذكرات وخطب د. عبد الرحمن الشهبندر، حيث يـحـتـوي على بعض أعـمـاله ومذكرات العمل السياسي والاعتقال عام 1922 والخطب الهامة في تاريخه المعاصر.

يشير الدكتور محمد كامل الخطيب في تحقيقه مذكرات وخطب إلى أنه قد نشر غالبها في تلك الأيام، في جريدة "الأيام" لصاحبها نصوح بابيل، والتي كانت موالية لخط الشهبندر السياسي كما هو معروف، وتم نقل هذه الخطب عن كتاب حسن الحكيم الذي كان من أوثق معاوني الشهبندر ومؤيديه، وكذلك عن كتاب المؤرخ الدكتور عبد الله حنا "عبد الرحمن الشهبندر".

نوه الخطيب إلى أن المذكرات والخطب، وكذلك كتاب "الثورة السورية الوطنية"، صورة أخرى لشخصية الشهبندر. فإذا كانت مقالات الشهبندر وكتابه "القضايا الاجتماعية الكبرى في العالم العربي" يقدمان الجانب الفكري لهذه الشخصية، فإن المذكرات والخطب تقدم الجانب العملي والنضالي السياسي سواء في مجال النضال ضد الاستعمار، أم في مجال البناء السياسي والحزبي والوطني.

الدكتور الشهبندر من السياسيين القلة الذين جمعوا ما بين السياسية والفكر، أو ما بين الممارسة والنظرية، وما بين الأخلاق والعلم. وكتابه مذكرات وخطب يعطي صورة وافية وصحيحة لمفكر سياسي وطني، ولمرحلة هامة في تاريخنا.

يحمل الكتاب مجموعة من العناوين الهامة خلال عام 1922 مثل "كراين في سورية"، وفي هذا العنوان يشرح د. الشهبندر الحالة العامة قبل وصوله، ووصف لحظة وصول كراين الى محطة الحجاز، ولقاءه في الفندق، وكيف اتصل بالوطنيين ومنهم فارس الخوري بمنزله، للتوصل إلى المطالب الوطنية. ذكر اجتماع كراين بالوطنيين في منزل عثمان الشرباتي، ونقل هموم الشعب مع مجموعة من الوطنيين موضحين ظلم واستبداد الانتداب الفرنسي والتجاوزات التي يقوم بها، وذلك ضمن مذكرات موثقة، حيث تحدث أنور البكري عن الزراعة، وحسن الحكيم عن سوء الأوضاع المالية والاقتصادية، وحسام العمري عن الضرائب.

وبدوره قام "كراين" بزيارة أماكن دمشقية ومنها الميتم السوري وحي الميدان ونساء الشهداء، وزيارة مصطفى باشا العابد وابنته نازك، وبستان القصاع.

تخللت الكتاب مجموعة من العناوين تشير بوضوح إلى متنها مثل: الشهبندر في سجن القلعة، المحاكمة وأسرارها، يوم المحاكمة، السجن في قلعة بيت الدين، الحرية في تاريخ البشرية هي المثل الأعلى، الوحدة لا تقوم على اللباس بل على الإيمان.

أشار المحقق محمد كامل الخطيب إلى خطاب الدكتور عبد الرحمن الشهبندر، والعناوين المتفرقة في خطبه السياسية والاجتماعية في حفلات تكريمه ولقاءاته.

اخيراً ربما ما عرض هو جزء يسير من مذكرات الدكتور الشهبندر لأن هناك أحداثاً كثيرة هامة في التاريخ ومواقف وطنية خاضها في غمار الثورة السورية الكبرى لم تذكر. ربما اقتصر المذكرات على بعض الخطب ومذكرات مع قدوم كراين إلى سورية ومنعكسات الزيارة، وإيداعه في سجن القلعة وبيت الدين وغيرها.

----

الكتاب: مذكرات وخطب

الكاتب: د. عبد الرحمن الشهبندر، الأعمال الكاملة

تحقيق وتقديم: محمد كامل الخطيب

الناشر: وزارة الثقافة- دمشق، 1992