يعتبر كتاب "المناظر" من أنفس ما أنتج العلماء العرب في مجال البصريات خلال القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)، فهو موسوعة فيزيائية يتكون من سبعة مجلدات، وضع فيه "ابن الهيثم" أصول المنهج العلمي التجريبي، وركز فيه على تطوير علمي البصريات والفلك، وأسهم ببحوثه في اختراع الكاميرا في العصر الحديث، وفي أفكار استخدام البصريات في عصر النهضة وتطوير التليسكوب. وقد أدى كتاب المناظر إلى ثورةً علميةً كبيرة.

وُصِف ابن الهيثم "بأبي الفيزياء الحديثة "و"رائد المنهج العلمي الحديث" ومؤسس "الفيزياء التجريبية"، ووصفة البعض "بالعالم الأول". وقد صُنف كتاب "المناظر" مع كتاب إسحاق نيوتن (فلسفة المبادئ الرياضية الطبيعية) كأكثر الكتب التي تركت أثراً واضحاً في مسار علم الفيزياء وأكبر عاملٍ أدى لتطوير علم البصريات والإدراك البصري. ويحتوي هذا الكتاب على نقاشاتٍ وبحوثٍ حول سيكولوجيا إبصار الأشياء والأوهام البصرية والسيكولوجيا التجريبية، كما وصف القمرة أو الغرفة القاتمة أو الغرفة المظلمة بشكلٍ دقيقٍ، ما أدى إلى اختراع الكاميرا الحديثة، كما قدم الكتاب أيضاً تحسيناتٍ مهمةٍ في جراحة العيون، وشرح كيف تتم عملية الإبصار، وأثر ذلك في عملية تطوير التليسكوب.

كما كان كتاب "المناظر" لابن الهيثم دراسة شاملة لخصائص الضوء في أحواله الثلاثة (الإشراق على الاستقامة والانعكاس والانعطاف) قائمة على الاختبار التجريبي واستخدام المناهج الرياضية في تفسير الظواهر الطبيعية، وقد ترجم الكتاب إلى اللاتينية والإسبانية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية، وضم سبع مجلدات في مجال البصريات والفيزياء والرياضيات وعلم النفس.

كما أن ابن الهيثم جاء بنظرية جديدة في الإبصار غير ما جاء به السابقون عليه من الرياضيين كإقليدس وبطليموس أو الفلاسفة كأرسطو، أو الأطباء كجالينوس، وأثبت من خلال كتاب "المناظر"، أن الضوء يسير في خطوط مستقيمة، باستخدام التجارب العلمية، ففي العصور القديمة، سادت نظريتان كبيرتان حول كيفية الرؤية، النظرية الأولى: نظرية الانبعاثات، التي أيدها مفكرون مثل إقليدس وبطليموس، والتي تفترض أن الإبصار يحدث اعتماداً على أشعة الضوء المنبعثة من العين. أما النظرية الثانية فهي نظرية الولوج التي كان قد أيدها أرسطو وأتباعه، فتفترض دخول الضوء إلى العين بصورة فيزيائية.

عرض ابن الهيثم هذه النظرية مجملة في المقالة الأولى من كتابه، ولكنه رأى أنها لم تتم دون أن يلحق بها نظرية في سيكولوجية الإبصار، وهذا ما فعله في المقالتين الثانية والثالثة. وبذلك أراد أن يحيط بالموضوع من كل جوانبه. وينتقل ابن الهيثم بعد ذلك إلى معالجة انعكاس الأضواء في ثلاثة مقالات وهي الرابعة والخامسة والسادس وانعطافها في المقالة السابعة، وهي معالجة سار فيها على النهج الذي اختطه في بقية كتابه وإن غلب عليها الرياضي في بعض المقالات بما تفتضيه طبيعة موضوعاتها.

تُرجم كتاب "المناظر" لأول مرةـ إلى اللاتينية في أواخر القرن الثاني عشر، أو أوائل القرن الثالث عشر، وكذلك توجد ترجمة إيطالية عن اللاتينية ترجع إلى القرن الرابع عشر، وتوجد هذه الترجمة في نسخة خطية وحيدة محفوظة في مكتبة الفاتيكان. وسرعان ما ذاع صيت الكتاب في جميع أنحاء أوروبا.

ترك ابن الهيثم تراثاً علمياً ضخماً في الرياضيات والفلك، حيث أثبت أن أشعة الضوء تسير في خطوط مستقيمة، كما نفذ تجارب مختلفة حول العدسات والمرايا والانكسار والانعكاس، وكان أول من اختزل أشعة الضوء المنعكس والمنكسر في متجهين رأسي وأفقي، والذي كان بمثابة تطور أساسي في البصريات الهندسية، واقترح أنموذجاً لانكسار الضوء يُفضي إلى استنتاج مماثل لما أفضى إليه قانون سنيل، لكن ابن الهيثم لم يطور نموذجه بما يكفي لتحقيق تلك النتيجة، وقدم ابن الهيثم أول وصف واضح وتحليل صحيح للكاميرا المظلمة والكاميرا ذات الثقب. وكان أول من نجح في مشروع نقل صورة من الخارج إلى شاشة داخلية كما في الكاميرا المظلمة، التي اشتق الغرب اسمها من الكلمة العربية: قُمرة.

----

الكتاب: المناظر

الكاتب: الحسن بن الهيثم

المحقق: عبد الحميد صبره

الناشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1983