لعقود من الزمن، تم وصف المواد الكيميائية التي تجعل الحياة أسهل بطريقة جذابة: انزلاق البيض من المقلاة، عدم التصاق البقع بأريكتك، وارتداد المطر عن السترات والأحذية – وتم إظهارها على أنها العوامل التي ستغير قواعد اللعبة في حياتنا العصرية المزدحمة.

"أشياء أفضل لحياة أفضل.. من خلال الكيمياء" هذا هو الشعار المتفائل الذي صاغته شركة DuPont، الشركة التي ابتكرت طلاء التفلون الكيميائي المستخدم على نطاق واسع. لكن هذا العيش الأفضل جاء بتكلفة تحظى باهتمام جديد. تثبت هذه المواد الكيميائية - التي يطلق عليها اسم المواد الكيميائية إلى الأبد لقدرتها على البقاء في البيئة زمناً طويلاً للغاية- أن لها تأثيراً دائماً على صحة الإنسان. تربط مجموعة متزايدة من الأبحاث مجموعة المواد الكيميائية المعروفة على نطاق واسع باسم PFAS، بحالات من مستويات الدهون غير الصحية في الدم التي تؤدي إلى مضاعفات أثناء الحمل والسرطان.

أثار الإنذار بشأن الآثار الصحية لهذه المواد الكيميائية موجة من الإجراءات الأخيرة من قبل مسؤولي الصحة العامة والمسؤولين التنظيميين في الولايات المتحدة. حذرت وكالة حماية البيئة الأمريكية من أن PFAS تشكل مخاطر صحية أكبر مما كان يعتقد سابقاً، فقد خفضت بشكل كبير المستويات الآمنة الموصى بها من المواد الكيميائية في مياه الشرب.

وقالت راديكا فوكس، مساعدة مدير مكتب المياه التابع لوكالة حماية البيئة: تستند المستويات الاستشارية المحدثة إلى علم جديد، بما في ذلك أكثر من 400 دراسة حديثة تشير إلى أن الآثار الصحية السلبية التي قد تحدث عند مستويات منخفضة للغاية، أقل بكثير مما كان يُفهم سابقاً.

بعد فترة وجيزة، أصدرت الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب أول إرشادات سريرية تحدد مستويات تركيز PFAS في الدم والتي يمكن أن تعرض صحة شخص ما للخطر. يحث التقرير المؤلف من 300 صفحة الأطباء على التوصية بإجراء اختبارات دم منتظمة لأي شخص يتعرض لمستويات عالية من المواد الكيميائية وتقديم معلومات حول كيفية الحد من هذا التعرض، مثل تركيب مرشحات خاصة معروفة لتقليل PFAS في مياه الشرب.

في الولايات المتحدة وحدها، وفقاً لمقياس واحد، فإن إجمالي تكاليف الرعاية الطبية والإنتاجية المفقودة من التعرض لـ PFAS المرتبط بخمسة حالات طبية يضيف ما لا يقل عن 5.5 مليار دولار سنوياً، حسبما أفاد باحثون في جامعة نيويورك. وتشمل هذه الحالات انخفاض الوزن عند الولادة، والسمنة لدى الأطفال، وقصور الغدة الدرقية عند النساء، وسرطان الكلى والخصية.

يقول ليوناردو تراساندي، طبيب الأطفال وخبير الصحة البيئية في جامعة نيويورك لانغون هيلث: نظرنا فقط إلى اثنتين من أكثر من 9000 مادة كيميائية في عائلة PFAS، لذلك نحن نرى للتو قمة جبل جليدي.

المواد الكيميائية في كل مكان

من بين الأشخاص الأكثر عرضة لخطر التعرض هم رجال الإطفاء: تجعل PFAS معدات الحماية أكثر مقاومة للماء، وتوجد المواد الكيميائية في رغوة إخماد الحرائق المستخدمة على نطاق واسع. لكن معظم الناس لديهم مستوى قابل للقياس من PFAS في أجسامهم، وفقاً للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها. يأتي التعرض عادةً من تناول مياه الشرب الملوثة بالسلفونات المشبعة بالفلور أو الطعام المزروع في التربة المعالجة بأسمدة مصنوعة من مياه الصرف الصحي الملوثة بالمواد الكيميائية. إن ما يقدر بـ 2854 موقعاً في جميع أنحاء الولايات المتحدة بها تلوث بالسلفونات المشبعة بالفلور (PFAS).

لقد تعرض الناس والمجتمعات بشكل كبير لهذه المواد الكيميائية. يقول نيد كالونج، عالم الأوبئة في كلية كولورادو للصحة العامة في أورورا.

ربطت اللجنة بين التعرض قليلاً لقائمة مختلفة من الـ PFAS ومجموعة من الأعراض، ووجدت "أدلة كافية" تربط PFAS بأربع حالات: ضعف استجابة الجسم المضاد للتطعيم، ومستويات عالية من الكوليسترول بشكل غير طبيعي، وانخفاض نمو الرضع والجنين، وسرطان الكلى. كانت الأدلة "موحية" لسرطان الثدي والخصية وكذلك مشاكل الغدة الدرقية والتهاب القولون التقرحي، ومرض التهاب الأمعاء.

يدعو التقرير إلى مزيد من البحث في الآثار الصحية لـ PFAS ، مشيراً إلى وجود فجوات في الأدلة على كل شيء بدءاً من المشكلات العصبية وحتى كثافة العظام. يقول كالونج إن هذه المواد الكيميائية لها مجموعة واسعة من التأثيرات على أنظمة متعددة في الجسم. وهي "موجودة في كل مكان في البيئة".

أحدث ولكن ليس أكثر أماناً

تم إنتاج الـ PFAS في الولايات المتحدة منذ الأربعينيات. نظراً لأنها جيدة في صد الزيت والماء، وتحمل درجات الحرارة المرتفعة وتقليل الاحتكاك، أصبحت المواد الكيميائية مفيدة لمجموعة واسعة من المنتجات، بما في ذلك السجاد والمفروشات وتغليف المواد الغذائية وحتى خيوط تنظيف الأسنان. ومع ذلك، تمت دراسة عدد قليل نسبياً من بين 9000 نسخة أو نحو ذلك من هذه المواد الكيميائية الاصطناعية لتأثيراتها السمية.

يتم التعرف على العديد من PFAS الآن على أنها عوامل معطلة للغدد الصماء، وهي مركبات كيميائية تتداخل مع الأداء الطبيعي لنظام الغدد الصماء أو الهرمونات. لكن PFAS لها تأثيرات أخرى يمكن أن تزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان، مثل ضعف المناعة، ونمو الخلايا المفرط وتغير نشاط الجينات. وجدت إحدى الدراسات زيادة أكبر من الضعف في خطر الإصابة بسرطان الكلى بين الأشخاص الذين لديهم أعلى مستويات الدم مقابل أقل مستويات PFAS شائعة تسمى حمض البيرفلوروكتانويك، أو PFOA ، حسبما أفاد باحثون في عام 2021 في مجلة المعهد الوطني للسرطان.

كان من المفترض أن يكون الجيل الأحدث من PFAS أكثر أماناً، لأن المواد الكيميائية أقل عرضة للتراكم في الجسم. يقول "تراساندي" إن هذه المركبات الأحدث تشبه بنيوياً المركبات الأقدم، ويمكن أن تكون ضارة بالصحة مثل أبناء عمومتها. هذه الجزيئات الأحدث "ترتبط بشكل متزايد بأمراض مثل سكري الحمل. لقد بدأنا للتو في رؤية المشكلة الأكبر التي قد تكون موجودة في كل مكان".

تهدف استشارات مياه الشرب الجديدة التي تقدمها وكالة حماية البيئة إلى معالجة كل من PFAS القديم والجديد.

قدمت الإرشادات الصحية لوكالة حماية البيئة أيضاً التوصيات الأولى على الإطلاق بشأن نوعين من أنواع PFAS الأحدث: حمض ثنائي أكسيد سداسي فلورو بروبيلين وملح الأمونيوم HFPO، المعروفين معاً باسم المواد الكيميائية Gen-X، وحمض السلفونيك البيرفلوروبوتاني، أو PFBS. لقد حددت الوكالة عتبة سلامة مياه الشرب عند 10 جزء من المواد الكيميائية من الـ Gen-X و 2000 جزء لكل تريليون لـ PFBS. وتقول الوكالة إن هذه المواد الكيميائية الأحدث لها ثبات مماثل في البيئة.

ثمن الـ PFAS الباهظ

نظراً لوجود بيانات محدودة متاحة حول الآثار الصحية للجيل الجديد من المواد الكيميائية، ركزت التقارير على تأثيرات PFAS الأقدم.

أولاً، فحص فريق جامعة نيويورك تركيز المواد الكيميائية PFAS في عينات الدم التي تم الحصول عليها من ما يقرب من 5000 بالغ وطفل شاركوا في المسح الوطني لفحص الصحة والتغذية بالولايات المتحدة. بعد ذلك، بناءً على دراسات سابقة تربط PFAS بأمراض ونماذج معينة تقدر التكاليف الطبية وإنتاجية العمال المفقودة لهذه الأمراض، توصل الفريق إلى الثمن الذي تكلفه الـ PFAS الخاص بهذه الأمراض.

ويقدر الفريق أن بدانة الأطفال، وهي أكبر مساهم في الخسائر الاقتصادية الإجمالية للتعرض لـ PFAS، تكلف حوالي 2.7 مليار دولار سنوياً، يليها قصور الغدة الدرقية عند النساء بقيمة 1.26 مليار دولار. عندما نظر الباحثون في الأمراض الأخرى المرتبطة بـ PFAS خارج المراكز الخمسة الأولى، مثل الانتباذ البطاني الرحمي والسمنة لدى البالغين والالتهاب الرئوي عند الأطفال، ارتفع العبء الاقتصادي المقدر إلى 63 مليار دولار سنوياً.

تقييم المخاطر

يركز تقرير الأكاديميات الوطنية جزئياً على كيفية الحد من هذا العدد من خلال توفير إرشادات الاختبار للأطباء للكشف عن المستويات العالية من PFAS في الجسم ومحاولة تقليل التعرض لها.

يقدم التقرير أول إرشادات سريرية حول كيفية تقييم مخاطر مرض الشخص. لا داعي للقلق لدى أي شخص لديه تركيز دموي يحتوي على PFAS أقل من 2 نانوغرام لكل مليلتر. ولكن بالنسبة إلى المرضى الذين تتراوح تركيزاتها في الدم بين 2 و 20 نانوغرام/ مل، يجب على الأطباء فحص حالات مثل المستويات غير الصحية للدهون في الدم، والتي يمكن أن تؤدي إلى مشاكل في القلب. يعد هذا الفحص مهماً بشكل خاص للأشخاص الأكثر عرضة لتأثيرات التعرض لـ PFAS، مثل الأطفال والحوامل وأولئك الذين يعانون من نقص المناعة. بالنسبة إلى أي شخص يفحص أكثر من 20 نانوغرام/ مل، يشجع التقرير على إجراء فحوصات روتينية لبعض أنواع السرطان ومشاكل الغدة الدرقية والتهاب القولون التقرحي.

"لما يقرب من 20 عاماً كنا قادرين على قياس PFAS في دم الناس، ولكن لم يكن هناك توجيه لقول ما تعنيه (تلك الأرقام)" كما تقول المؤلفة المشاركة جين هوبين، وتضيف: "لأول مرة يحدد هذا في الواقع بعض النطاقات، وبعض الإرشادات لما يمكن أن يكون مستويات مثيرة للقلق، وأنواع المتابعة الصحية التي قد تكون مناسبة". وتأمل أن تزيد التوصيات من توافر الاختبارات وأن تجعل الأطباء والمرضى أكثر وعياً بهذه المواد الكيميائية ومخاطرها الصحية. يشجع التقرير أيضاً الأطباء على العمل مع مرضاهم لمعرفة مكان تعرضهم لـ PFAS وكيفية التخفيف من هذه المخاطر، عن طريق تقليل المنتجات المحتوية على PFAS وتصفية المياه.

أفاد باحثون في جامعة ديوك وولاية نورث كارولينا في عام 2020 أن مرشحات الكربون المنشط، الموجودة في بعض فلاتر الأسطح، لا تزيل PFAS تماماً مثل مرشحات التناضح العكسي. يقدم التقرير أيضاً تفاصيل فنية عن المرشحات التي تقوم بالفعل بتصفية PFAS.

يمكن أن تساعد الجهود مثل الحد من PFAS في مياه الشرب. وبالرغم من أن النصائح الصحية لوكالة حماية البيئة هي مجرد توصيات وليست قابلة للتنفيذ بقوة القانون، فقد شعر تراساندي بالسرور لأن الوكالة تصرفت بسرعة، لا سيما على المواد الكيميائية الأحدث مثل Gen-X. لكنه يجادل بأنه في ضوء ما نعرفه بالفعل وما زلنا نتعلم عن عبء المرض الناجم عن هذه المواد الكيميائية، يجب أن تخضع الـ PFAS لمزيد من الاختبارات قبل الموافقة عليها. والأفضل من ذلك، يجب أن يتم تنظيمها من خلال الفصل بدلاً من اتباع ما يسميه نهج الانتظار والترقب.

يقول: لا تزال سياستنا البيئية تتخذ نهج الانتظار والترقب حيث يجب أن ننتظر ما بين 20 إلى 30 عاماً، وهو الوقت الذي يستغرقه الناس لتطوير الأمراض بسبب التعرض للمواد الكيميائية.

التأثيرات الصحية

وجدت لجنة الأكاديميات الوطنية أدلة دامغة وأخرى نسبية على أن الـ PFAS يزيد من خطر الإصابة بالعديد من الأمراض. نذكر هنا أهمها: ضعف استجابة الجسم المضاد للتطعيم؛ ارتفاع مستويات الكوليسترول بشكل غير طبيعي؛ انخفاض نمو الرضيع والجنين؛ سرطان الكلى؛ سرطان الثدي؛ تغييرات إنزيم الكبد؛ سرطان الخصية؛ اضطرابات الغدة الدرقية؛ التهاب القولون التقرحي.

----

بقلم: ميلبا نيوسوم

ترجمة عن موقع: Science News