يعتبر كتاب "تاريخ سورية القديم، آثارها وحضارتها" للباحث والمؤرخ السوري عيد مرعي من الكتب القيّمة التي أضاءت على الإنجازات السورية الحضارية، كاكتشاف الزراعة وصناعة الفخار وبناء المدن الأولى، واكتشاف الأبجدية، ومعرفة الفنون المتنوعة كالرسم والنحت وغيرها من الابتكارات السورية.

يبحث هذا الكتاب في تاريخ سورية الطبيعية القديم منذ عصر ما قبل الكتابة حتى العصر السلوقي، معتمداً على الآثار والكتابات القديمة المكتشفة داخل الجغرافية السورية وفي المناطق المجاورة لها، وهي تعطي معلومات عن مختلف جوانب حياة سكان سورية القديمة الذين برعوا في تحقيق إنجازات حضارية رائعة كاكتشاف الزراعة وصناعة الفخار، وبناء المدن الأولى، وابتكار الكتابة الأبجدية، ووضع تصورات عن كيفية نشوء الكون، واكتشاف مناطق بعيدة، ومعرفة الفنون المختلفة من نحت ورسم وتزيين. ويتجلى ذلك بوضوح في آثار المدن والممالك والمواقع الأثرية العريقة التي أشهرها: إبلا وماري، وأوغاريت وقطنة وأريحا، وجبيل وصيدا وصور وقرطاجة وحاصور وتدمر وغيرها، وهو ما جعلنا نطلق عليها "قلب العالم القديم".

امتلكت سورية موقعاً جغرافياً متميزاً، فقد كانت تقع في قلب العالم القديم حلقة وصل بين بلاد الأناضول ووادي النيل، وبين بلاد الرافدين والبحر المتوسط ومصر، وبين بلاد الإغريق وبلاد الرافدين والهضبة الإيرانية وما بعدها، ما مكنها من تأدية دور مهم على جميع الأصعدة البشرية والفكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها، وانعكس ذلك في جوانب تاريخها المختلفة، إذ كانت محط أطماع الإمبراطوريات والممالك المجاورة التي أرسلت جيوشها الجرارة لاحتلالها والسيطرة عليها، يضاف إلى ذلك غناها بالموارد والمنتجات الطبيعية المتنوعة.

أصل اسم "سورية"

تحدث د. مرعي في كتابه عن الآراء المتعددة حول اسم "سورية"، حيث ظهر المصطلح "سورية" في الألف الأول قبل الميلاد، ثم تطور الاسم في الشرق الأدنى القديم فاستخدم اسم "سيريا" للمنطقة الخصبة الواقعة ما بين البحر المتوسط وسلسلة جبال طوروس ونهر الفرات والبادية، أما المنطقة الواقعة ما بين الفرات الأوسط ودجلة فقد سماها الإغريق "أسوريا"، ثم ساد استخدام "سوريا" في العصر الهلنستي الذي ساد فيه استخدام اللغة الإغريقية.

كما بين د. مرعي أن سورية لم تستطع أن تحقق وحدتها السياسية الكاملة، لكن وعلى الرغم من نشوء العديد من الممالك فيها فإنها حققت وحدة حضارية وثقافية متكاملة امتدت خارج حدودها الطبيعية، من هذه الممالك والإمارات مملكة "إبلا " التي قامت في شمالي سورية في النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد، ومملكة "ماري" التي نشأت في منطقة الفرات الأوسط في النصف الأول من القرن الثامن عشر قبل الميلاد، ومملكة "يمحاض" وعاصمتها حلب وكان لها دور بارز في تاريخ شمالي سورية وبلاد الرافدين في النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد، وهناك أيضاً مملكة "قطنة" التي قامت في منطقتي "حمص" و"حماة" وكانت إحدى أهم الممالك في القرن الثامن عشر قبل الميلاد.

ضم الكتاب ستة فصول سلط فيها الكاتب على المواقع بأسمائها ومقتنياتها مع محاولة تفسير الأسماء وتحديد المواقع والحدود الطبيعية في مواقع التنقيبات الأثرية، من عصور ما قبل التاريخ في "سورية"، أي من العصر الحجري القديم والوسيط والحديث ومن ثم العصر النحاسي، انتقالاً إلى فجر الحضارة وظهور المستوطنات والمدن الأولى في سورية.

وفي الفصل الثالث الذي حمل عنوان: "سورية في الألف الثالث قبل الميلاد"، تحدث عن موقع "إبلا" وقصة اكتشافه، والإبحار في الحديث عن حضارتها سواء السياسية والاقتصادية والتجارية وغيرها من الجوانب الأخرى.

تحدث الكاتب في الفصل الرابع حول موضوع سورية في النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد (العصر الأموري)، وتوقف عند مملكة ماري بتاريخها سواء في الألف الثاني قبل الميلاد والحكم الآشوري وعهد زمري ليم، والجوانب الاقتصادية والدينية.

أما الفصل الخامس فقد حمل عنوان "سورية في النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد" (صراع القوى الكبرى على سورية)، وهنا يتناول العديد من الممالك نذكر منها: مملكة أمورو، مملكة قاديش، مملكة جبيل، مملكة أوغاريت.

وفي الفصل السادس سلّط الكاتب الضوء على سورية في الألف الأول قبل الميلاد، ليقف عند الكنعانيين والفينيقيين والآراميين وكذلك سورية في ظل الاحتلالين الفارسي– الأخميني والمقدوني.

وهكذا نجد أن هذا الكتاب تناول جميع التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والفنية التي شهدتها منطقة سورية الطبيعية أو الكبرى منذ عصور ما قبل الكتابة حتى احتلال الإسكندر المقدوني الكبير لها وللشرق القديم بعد معركة إسوس المشهورة في العام 333 ق.م.

----

الكتاب: تاريخ سورية القديم وآثارها وحضارتها

الكاتب: د. عيد مرعي

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، 2021