بدأ الكاتب محمد خالد رمضان كتابه "الورد في تراثنا الشعبي" بالحديث عن الخرافات التي اختزنت الذاكرة الشعبية، وأفرزتها الممارسة اليومية العملية، واختزنت رؤى أسطورية بعيدة عبرت عنها في حالات العلاقة مع الورد وظروف هذه العلاقة. واستمرت هذه الخرافات والأساطير حتى يومنا لا تبرح الذاكرة الشعبية، ولا تغيب عن الخيال.

الخرافة الأولى: أن الورد لا يعيش ولا ينمو ولا يكبر إلا إذا سرق من مكان منبته أو أخذ عنوة وقهراً. أما الخرافة الثانية: أن المرأة الحائض إذا مرت في حوض من الزهور فسرعان ما يذبل، ويؤدي ذلك إلى موت الأزهار والورود وعدم عودتها إلى الحياة. بينما تتحدث الخرافة الثالثة عن أن الوردة النضرة المتفتحة إذا قطفت منها زهرة فإنها تتيبس وتموت، وغير ذلك كثير.

أما الأساطير فكثيرة منها: الأسطورة الأولى: خميس مريم هو الخميس الثاني من شهر نيسان، يجتمع الأطفال وقت الضحى ويلبسون أبهى الثياب، ويجولون على البيوت وينشدون بعض الأغاني الشعبية، معتقدين أن السيدة مريم العذراء معهم وتغني أغانيهم. وتعلو الأصوات أمام كل بيت منادية ليعطي أهل البيت كل طفل باقة من الورود وعلى رأسها وردة السيد المسيح الحمراء، وبعض الحلوى والقضامة، ثم يذهبون إلى البرية ويمارسون عدة ألعاب ورقصات شعبية متنوعة.

الأسطورة الثانية: خميس البنات: هو الخميس الأول من نيسان، إذ يخرج كل الناس من بيوتهم إلى البرية، ويعيشون مع الأزهار، ويمارسون الطقوس من رقص وغناء، ولا يعودون إلى البيوت حتى المساء.

ورد ذكر الورد في الحكايات الشعبية، مثل حكاية زر الورد وست الحسن، ورقة وشيخان وغيرها، وفي الكثير من أغاني الأطفال، منها:

فتحي يا وردة

تسكري يا وردة

من هون كعكة

من هون وردة

يا وردة يا جورية

قلي بابا عد للمية

عشرة عشرين

ثلاثين أربعين

خمسين ستين

سبعين ثمانين

تسعين مية

وهيي وردة جورية

يتقمص الورد شخصية الإنسان، ويحل محله في كل حالاته وممارساته اليومية ويعبر عن حالته ووجدانه. فالأغنية الشعبية المطعمة بالأزهار حملت هذه المعاني، والزغرودة نثرتها في الأعراس، والمثل ثبتها في الذاكرة الجمعية، والتطريز نقش بها الثوب وحلاه، وحفل الطين والفخار بهذه المعاني، وأيضاً الزجاج والصلصال، فالورد يحزن حزن العاشق المتيم ويبكي بكاءه ويفرح فرحه، فالتراث الشعبي أنسنه وأنطقه.

رصد الكاتب رمضان في كتابه عدداً من الأزهار التي حضرت في التراث الشعبي وشاركت في كل الهموم الإنسانية والأفراح مشاركة جادة، من هذه الأزهار:

الشاب الظريف

هو ورد ربيعي يعيش حتى أواخر الخريف، له ساق طويلة تصل إلى ارتفاع مترين، ورائحته خفيفة رقيقة وله أوراق عريضة خضر وألوانه: الأصفر، الأحمر، الأبيض المطرطش، الأصفر المنمنم بالأحمر، البني، الأبيض، البنفسجي.

ورد ذكره في الزغرودة الشعبية، ففي الأعراس أثناء إلباس العريس ثياب العرس، تزغرد له النساء، وتغني واصفة حالة العريس وجماله وكرمه وكرم أهله وعزيمتهم وغير ذلك.

شب الظريف إن عبقْ عبقْ عطرْ بالدارْ

شب الظريف إن مرقْ خلانا فلكْ دوّارْ

عريسْ عريسْ حاجي تخبي أسرارْ

سرّ الهوى ما انكشفْ إلا وقتْ ما غارْ

ففي الزغرودة جناس كامل بينه وبين الورد، سواء في الألفاظ أو المرامي أو المعاني.

الياسمين

ورد يفتح في أواخر الربيع، ولا يوجد في البراري، بل يزرع في الحدائق والبساتين والأحواض والمساكب، له عدة أنواع: الياسمين العراتلي، الياسمين الأبيض، الياسمين الأصفر، الياسمين البلدي. وله عدة أشكال وأحجام وله رائحة عبقة عدا الأصفر لا رائحة له مطلقاً. هو ورد الحب والجمال وورد التأمل والرقّة، يهدى في المناسبات الفرحة إن في لقاء أو جلسة حب أو في بهجة خالصة.

ورد في الزغرودة الشعبية في وصف جمال العروس وكياستها وكمالها.

يا ياسمينْ الجناينْ حلْ قطفكْ حلْ

من شمْ وردكْ روى من شم وردكْ غلْ

سبيتْ أهلْ الهوى يا وردْ بريحك

راحوا سكارى ليوم الحشر ما في حلْ

الياسمين زهر الحياة وصورها الفرحة، فهو التفتح على الحب وزهرة الانطلاق والتواصل، ويدعو للتأمل ويدل على الرضا والاستبشار والهناء.

فالموروث الشعبي ذاخر بأسماء الزهور التي أصبحت التراث الحي في الوجدان الشعبي والذاكرة الشعبية المرتبطة بفلكلورنا وحياتنا.

----

الكتاب: الورد في تراثنا الشعبي

الكاتب: محمد خالد رمضان

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، 2006