حي الميدان أقدم وأكبر أحياء المدينة خارج السور، أرضه ميدان لسباقات الخيل والفروسية، له أهمية تاريخية كبيرة؛ حيث كانت قافلة الحج الشامي تعبر الحي في طريقها إلى الديار المقدسة في الحجاز.

بدأ الكاتب أحمد بوبس كتابه بالتعريف بأصل تسمية حي الميدان بهذا الاسم، فهو يتميز بأرض مستوية واسعة تصلح لسباقات الخيل، وأما الحصى فمصدرها فيضان فرعي بردى (القنوات والديراني) في سنوات المطر الغزير.

يقع الحي إلى الجنوب الغربي من مدينة دمشق القديمة، على شكل لسان طويل في غوطات دمشق الشرقية والغربية والجنوبية. وشبهه أحد المؤرخين بأنه يمثل بالنسبة إلى مدينة دمشق القديمة الذيل بالنسبة إلى الطائرة الورقية التي كان يصنعها الأطفال في الماضي من القنب وورق الخياطة.

تطور حي الميدان عندما دخل الإسلام إلى دمشق، فهو لم يسع الوافدين الجدد إليه من الجنود الذين فضلوا عدم العودة الى موطنهم الأصلي في الجزيرة العربية، وبدأت التوسعات تتم ملاصقة لسور المدينة من جهاته الأربع، وبشكل خاص الجهة الجنوبية.

في العهد المملوكي لم يظهر حي الميدان بشكل واضح كمنطقة سكنية، فقد كان عبارة عن ثلاثة تجمعات سكنية هي من الشمال إلى الجنوب: منطقة السويقة، منطقة باب المصلى، منطقة قرية القبيبات. أما في العهد العثماني، فقد شهد الحي توسعاً كبيراً وازداد عدد سكانه وازدهر اقتصادياً بسبب انطلاق قافلة الحج ومرورها في شارعه الرئيسي، فقد كان في الحي أربعة مواسم تجارية كبيرة في السنة، فالموسم الأول هو مرور قافلة الحج من شارع الميدان وخروجها من بوابة الله وترافقها احتفالات وطقوس على طول الشارع. والموسم الثاني عند مرور موكب الجردة (قافلة تحمل المواد الغذائية والألبسة والمواد الإسعافية) لمساعدة الحجاج في طريق عودتهم من الحج، وتنطلق في منتصف شهر ذي الحجة باتجاه عودة الحجاج. أما الموسم الثالث فهو عند عودة قسم من الجردة التي يرأسها أحد أعوان دمشق، ويطلق عليه اسم الجوقدار، ومعه مكاتيب الحجاج، فيخرج الناس لملاقاته والاطمئنان على صحة حجاجهم. في الموسم الرابع يخرج أهالي دمشق لاستقبال موكب الحج عند بوابة الله (ساحة محمد الأشمر حالياً) وتكون عودة القافلة في شهر صفر، وتصل بعد وصول حامل المكاتيب بأيام قليلة.

هذه المواسم الأربعة استلزمت ظهور عدد من المهن التي كانت تقدم خدماتها للحجاج منها: الجمّالة، البغالون، مؤجرو الدواب، الحمّالون، إضافة الى السقاة والأدلاء والأجراء وغيرهم.

يتكون حي الميدان من مجموعة كبيرة من المناطق السكنية الصغيرة التي حملت تسميات مختلفة (زقاق)، (حارة)، (سوق). تتوزع هذه المناطق السكنية على طرفي الشارع الرئيسي باتجاه الشرق والغرب وتتفرع من طرفيه وتكون ضيقة ومتوازية وعمودية على الطريق. ويصل عدد الأزقة في حي الميدان على نحو ثلاثين زقاقاً.

من أزقة حي الميدان: زقاق البقارة، باب المصلى، الحبالة، الجواني، الحوارنة، الزين، جوبان، القبة الحمراء، القملة، قويق، المصبنة، النشار، الجوزي وغيرها. وقد تم تغيير أسماء معظم الحارات والأزقة في الميدان.

يتابع الكاتب بوبس: يضم حي الميدان العديد من الأسواق التجاري والحرفية المتخصصة مثل: سوق تجارة الحبوب، وهو أهم أسواق الحي، ويمتد على طول شارع الميدان من بوابة الله وحتى باب مصلى وعلى الطرفين. وتسمى دكانة بيع الحبوب (بايكة). سوق الغنم يقع مكان شارع آل البيت حالياً، سوق الجمال (الإبل)، سوق النحاسيات، سوق الجزماتية، سوق الخيل يقع جانب مقبرة الجورة وهو سوق ليوم واحد في الأسبوع في يوم الجمعة فقط. أما بقية أيام الإسبوع فيبيع النبات الذي تصنع منه المكانس.

لم تختلف بيوت الحي عن البيوت الدمشقية الأخرى في شيء، حيث الفسحة السماوية (أرض الديار) التي تحيط بها غرف البيت. وتنقسم البيوت حسب الحالة المادية لأصحابها إلى ثلاثة مستويات:

المستوى الثالث: يضم فسحة سماوية مساحتها عدة أمتار مربعة، وتغيب فيها بركة الماء، وربما توجد فيها بعض النباتات البسيطة وأرضها مرصوفة بما يسمى العدسة التي هي مزيج من الإسمنت والحصى الناعمة. ويتألف البيت من غرفتين أو ثلاث إضافة إلى المنتفعات.

المستوى الثاني: يضم فسحة سماوية أكبر من المستوى الثالث، وفيها بركة الماء. وتتوزع الغرف على طابقين: الطابق الأرضي، والطابق العلوي ويضم غرفتين تسمى الواحدة (فرنكة).

المستوى الأول: هي البيوت الفخمة التي تتألف من الباحة السماوية الواسعة التي تتوسطها البركة الجميلة المبنية من الحجارة البيضاء والسوداء كما باحة الدار، ويضم البيت العديد من الغرف في الطابق الأول ومثلها في الطابق الثاني. ويفصل باحة الدار عن باب البيت دهليز فيه قاعة كبيرة لاستقبال الضيوف. اختفت معظم هذه البيوت وحلت مكانها الأبنية الحديثة الطابقية.

يضم حي الميدان الكثير من المساجد مثل: جامع التينبية، جامع الدقاق، باب المصلى، النقشبندي، جامع تربة آراق، جامع الخانقية، جامع منجك، القاعة، الغنيمي، الرفاعي، الغواص، مسجد رجال الزاوية، الشيخ يعقوب، نائلي، الكنجلية، وغيره.

يوجد في الحي ثلاث كنائس أنشئت في مطلع القرن التاسع عشر، وهي كنيسة القديس حنانيا، كنيسة القديس جاروجيوس، كنيسة سيدة النياح.

أنجب الحي عدداً من الشخصيات الهامة على الصعيد السياسي والفكري والوطني والاجتماعي التي لعبت دوراً في الحياة السياسية والفكرية والعلمية والاجتماعية في سورية في مراحل مختلفة، منها: المجاهد محمد الأشمر، الشيخ عبد الغني الغنيمي، عبد الرزاق البيطار، محمد علي العابد أول رئيس منتخب لسورية، حسن الحكيم، وغيرهم الكثير.

----

الكتاب: حي الميدان الدمشقي، تاريخه، وتطوره

الكاتب: أحمد بوبس

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، 2014