امتازت دمشق بحسن العمارة، ونضارة البقعة، وكثرة الفاكهة، وكثرة المياه. وقيل إنها سميت دمشق لأنهم دمشقوا في بنائها، أي أسرعوا، وهي بلاد سورية الطبيعية. وأطلق على دمشق اسم "الشام"، لأنها أجمل مدنها وأكبرها وأفضلها.

بدأ الكاتب لطفي فؤاد لطفي كتابه "دمشق الشام" بالحديث عن موقع الشام الجغرافي وتاريخها السياسي والحضاري، فقد كانت منذ فجر التاريخ، الموطن الثاني لطلائع شعوب الجزيرة العربية، والتي شُبِّهَت بخزّان هائل يفيض بالسكان في حقب متعاقبة ويقذف بهم إلى المناطق الشمالية المجاورة. وهذه الشعوب المسماة بالآشورية والبابلية والكنعانية والفينيقية والعبرانية والآرامية والعربية، عرفت عند المؤرخين بالشعوب السامية. وقد أطلق العلماء هذه التسمية على الشعوب لتقارب لغاتها وألفاظها وطريقة تركيب هذه الألفاظ ولوجه الشبه في عقائدهم الدينية، وفي صفاتهم وخصائصهم الجسدية.

الشام

قبل أن يطلق العرب اسم "الشام" على البلاد الممتدة من شمال الحجاز إلى جبال طوروس شمالاً، ومن بادية الشام والفرات شرقاً إلى البحر المتوسط غرباً، كانت تعرف باسم "سورية"، وهو اسم يوناني ظهر لأول مرة في كتابات المؤرخ "هيرودوتس"، وظهر في آداب أوغاريت. وأطلق البابليون اسم su-ri على أحد المناطق شمال الفرات. أما بالنسبة إلى الرومان فقد كان اسم syrus يعني الشخص الذي يتكلم اللغة السريانية، وأطلقوه على ولايتهم الممتدة من الفرات حتى مصر، وهي البلاد التي سماها الجغرافيون العرب بالشام.

اختلف الجغرافيون واللغويون العرب في سبب التسمية "سورية" بالشام، وأوردوا في ذلك تسميات مختلفة منها: سمي الشام شاماً لأنه عن شمال الكعبة. ويذكر البعض الآخر أن اسم الشام قد يكون من الشامات وهي طوالع الحسن، نظراً لخصب أراضيه وجمال مناظره.

الشام قبل الفتح العربي

دخلت الجيوش الرومانية بقيادة "بومبيوس" بلاد الشام في عام 64 ق.م وجعل عاصمتها أنطاكية، ووضعت تحت الحكم المباشر لنائب القنصل الروماني، واحتفظ شيوخ قبائل العرب بممتلكاتهم وبالسيطرة عليها لقاء جزية سنوية.

حصل الانقسام في الإمبراطورية الرومانية عند وفاة "تيودوسيوس" عام 395م فتولى ولداه "هونوريوس" روما و"أركاديوس" الشرق، وبذلك تمت ولادة الدولة البيزنطية. كانت بلاد الشام في العهد البيزنطي منقسمة إلى ثلاث مقاطعات رئيسية: المنطقة الشمالية والمنطقة الوسطى والمنطقة الجنوبية.

فتح الشام

كان للدين أثر كبير في جمع القبائل العربية المتفرقة في أمة واحدة ودولة واحدة، وفي ارتفاع الروح المعنوية، كما نبه العرب داخل الجزيرة وعلى أطرافها الشمالية إلى وحدتهم. وتم فتح دمشق بعد حصار دام ستة أشهر على يد أبو عبيدة بن الجراح في خريف عام 636م.

دمشق الشام

تحولت دمشق في عام 661م من مركز ولاية عربية إلى عاصمة دولة الأمويين، وغدت مركز إشعاع لجميع العالم العربي والإسلامي. وكان هذا هو العصر الذهبي لدمشق الذي انتهى عام 750م لتغدو مدينة ثانوية في الدولة العباسية الكبيرة. ثم في عام 868م بدأت دمشق بالتنقل بين أيدي الطولونيين فالأخشيديين فالفاطميين إلى أن أصبحت من نصيب السلاجقة مدة نصف قرن.

في عام 1097م بدأت الحروب الصليبية إلى الشرق العربي، فوقف أتابكة دمشق يصدون الفرنج ويحولون دون توسعهم. في عام 1173م توفي نور الدين زنكي، فاتخذها صلاح الدين عاصمة له، ولتبقى عاصمة الأيوبيين. ثم انتقل حكمها إلى المماليك عام 1250م لتصبح ولاية مملوكية. في عام 1516م وبعد معركة مرج دابق وانتصار السلطان سليم الأول، بدأت فترة جديدة في تاريخ دمشق، وأصبحت ملحقة بالدولة العثمانية حتى عام 1918م وسقوط الدولة العثمانية بعيد الحرب العالمية الأولى.

تضم دمشق العديد من الأحياء: حي القنوات، الشاغور، القيمرية، الميدان، المرجة، حي سوق ساروجة، الصالحية، العمارة، الشعلان.

إن الحي وحدة عمرانية في حين أن الحارة تحمل مدلولاً اجتماعياً بالإضافة إلى مدلولها العمراني، وبالتالي تشكل الحارة جزءاً من حي أو حيّاً بأكمله، أما سكانها فيعدونها الإطار الاجتماعي الناظم لحياتهم ضمن المدينة، عدا عن أنها المحيط العمراني الفعلي لها.

----

الكتاب: دمشق الشام

الكاتب: د. لطفي فؤاد لطفي

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، 2018