تُعرّف ظاهرة الاحتباس الحراري أو ظاهرة الاحترار العالمي أو ظاهرة الدفيئة على أنّها ارتفاع في معدّل درجة حرارة الهواء الجوّي الموجود في الطبقة السفلى من سطح الأرض، وذلك خلال القرن أو القرنين الماضيين. وتحدث هذه الظاهرة عند حبس أو احتباس حرارة الشمس في الغلاف الجوي للأرض بعد دخولها إليه، ما يرفع درجة حرارة الأرض ويجعلها أكثر دفئاً. ويتم ذلك من خلال امتصاص غازات الغلاف الجوي كثاني أكسيد الكربون لطاقة الشمس وحبسها بالقرب من الأرض، ما يساهم في ارتفاع حرارة الأرض.

نعلم أنه بسبب هذا الاحتباس الحراري، فإن المحاصيل التي تشكل عنصراً حيوياً في النظم الغذائية لأكثر من 4.5 مليار شخص تتعرض للدمار. وجد بحثٌ واعدٌ جديدٌ الآن مفتاحاً لإنشاء صنف من هذه المحاصيل مقاوم للحرارة، بهدف التغلب على آثار الاحتباس الحراري الوخيمة على الأمن الغذائي لكوكب الأرض وسكانه.

إنه النبات الذي غيّر تاريخ البشرية؛ إذ بفضل زراعة القمح تمكن الإنسان العاقل من إطعام نفسه بأعداد متزايدة باستمرار، ما أدى إلى تحويل مجموعات من الصيادين والجامعين الذين كانوا يكافحون من أجل البقاء في عالمٍ معادٍ إلى حكّام على هذا الكوكب.

في هذه العملية - زراعة القمح- أصبحت أنواع من الأعشاب البرية التي كانت في يوم من الأيام محصورة في جزء صغير من الشرق الأوسط، تغطي مساحات شاسعة من الأرض.

يوفر القمح الآن حوالي 20% من السعرات الحرارية التي يستهلكها الإنسان كل يوم، لكن إنتاجه معرض للخطر. إذ بسبب الاحتباس الحراري الذي ينتج عن نشاط الإنسان المحموم واستخدامه غير العقلاني للوقود الأحفوري، يواجه كوكبنا مستقبلاً من موجات الحرارة الشديدة والجفاف وحرائق الغابات التي يمكن أن تدمر المحاصيل في المستقبل، ما سوف يؤدي إلى مجاعة واسعة النطاق في أعقاب هذه الموجات.

لكن يمكن تجنب الأزمة بفضل البحث الرائع الذي يجري الآن بواسطة باحثين في مركز جون إينيس في نورويتش. إنهم يعملون على مشروع لجعل القمح أكثر مقاومة للحرارة والجفاف. أثبتت هذه الجهود أنها صعبة للغاية، ولكنها من المقرر أن تكون موضوعاً لمجموعة جديدة من التجارب في غضون أسابيع قليلة، كجزء من مشروع تتم فيه زراعة أنواع مختلفة من القمح - تم إنشاؤها جزئياً بواسطة تقنية تعديل الجينات، وذلك في التجارب الميدانية في إسبانيا.

إن قدرة هذه الأنواع على تحمل حرارة أيبيريا، ستحدد مدى قدرة علماء المحاصيل على حماية المزارع الصالحة للزراعة في المستقبل من أسوأ تقلبات تغير المناخ، وبالتالي تعزيز إنتاج الغذاء لمليارات البشر على كوكب الأرض، كما يقول فريق مركز جون إينيس.

لم يكن القمح العامل النباتي الوحيد الذي غذى الثورة الزراعية؛ إذ لعبت المواد الغذائية الأخرى، مثل الأرز والبطاطا، دوراً في ذلك. لكن القمح يُمنح عموماً الدور الرائد في إطلاق الثورة الزراعية التي خلقت عالمنا الحديث من "الانفجارات السكانية والنخب المدللة"، كما يضعها هراري في كتابه الأكثر مبيعاً في العالم Sapiens.

يزرع البشر نوعين رئيسيين من القمح في المزارع: قمح المعكرونة والقمح الطري. قال البروفيسور غراهام مور، عالم وراثة القمح ومدير مركز جون إينيس، أحد معاهد أبحاث المحاصيل الرائدة في العالم، إنهما يلعبان دوراً مهماً في النظم الغذائية لنحو 4.5 مليار شخص. وأضاف: من بين هؤلاء، يعتمد حوالي 2.5 مليار في 89 دولة على القمح في غذائهم اليومي، لذا يمكنك أن ترى مدى الأهمية الحيوية لهذا المحصول الاستراتيجي بالنسبة إلى العالم بأسره.

وأضاف مور أن المشكلة التي واجهت علماء المحاصيل، الذين كانوا يسعون إلى تحسين مرونة وإنتاجية أصناف القمح، هي تعقيد جينات القمح. لنتمكن من التوضيح أكثر، يكفي أن نذكر أن البشر لديهم جينوم واحد يحتوي على تعليمات الحمض النووي الخاصة بنا. لكن قمح المعكرونة له جينومان مختلفان عن الأجداد، بينما يحتوي قمح الخبز على ثلاثة جينومات.

كان لهذا التعقيد عواقب مهمة. من أجل التحكم في الجينات والكروموسومات المختلفة، اكتسب القمح جيناً مستقراً يفصل بين الكروموسومات المختلفة في جينوماته المختلفة. وقد ضمن هذا الجين المستقر أن هذه الأشكال من القمح لها عوائد عالية. ومع ذلك، فإن هذا الجين نفسه هو الذي يمنع أيضاً أي تبادل للكروموسومات مع الأقارب البرية للقمح، ما أحبط وعلى مدار عقود طويلة جهود علماء الوراثة الذين كانوا يحاولون صنع أصناف جديدة ذات خصائص مفيدة.

تتمتع أقارب القمح البرية بخصائص مفيدة حقاً - مقاومة الأمراض، وتحمل الملح، والحماية من الحرارة - وهي السمات التي يريد العلماء إضافتها لجعل القمح أكثر قوة ويسهل نموه في الظروف القاسية. لكن لا يمكنك فعل ذلك لأن هذا الجين يمنع استيعاب هذه السمات.

وأضاف مور أن هذا الجين "كان يعرف باسم "الكأس المقدسة" لعلماء وراثة القمح؛ حيث أثبت القمح - على الرغم من أهميته الحاسمة لتغذية العالم - أنه الأصعب من بين جميع المحاصيل الرئيسية للدراسة، بسبب تعقيد وحجم الجينوم الخاص به. ومن هنا تأتي أهمية البحث للعثور على الجين الذي كان السبب في هذه المشكلة".

لقد استغرق الأمر عدة عقود، ولكن العلماء في مركز جون إينيس نجحوا أخيراً في العثور على الكأس المقدسة للقمح. لقد حددوا الجين الرئيسي، وسموه Zip4.5B وخلقوا نسخة متحولة منه، واحدة تسمح للجين بأداء وظيفته الرئيسية - للسماح لكروموسومات القمح بالاقتران بشكل صحيح والحفاظ على الغلة - ولكنها تفتقر إلى قدرتها على الحجب. لقد تم إنشاء متغيرات جديدة بسمات مختلفة من الأعشاب البرية.

كانت الأداة الرئيسية في هذا العمل هي تحرير الجينات، والتي سمحت لنا بإجراء تغييرات دقيقة في الحمض النووي للقمح؛ إذ بدونها ما زلنا نكافح مع هذه المحاولات. لقد أحدثت كل الفرق المرغوب.

اكتشف علماء جونز إينيس منذ ذلك الحين أن هناك ما لا يقل عن 50 إصداراً مختلفاً من Zip4.5B. وأضاف مور: "سنقوم الآن باختبار هذه الأنواع المختلفة من القمح التي صنعناها".

وبعد ذلك سيتم زراعتها في إسبانيا، على أرض قريبة من قرطبة، لمعرفة مدى نجاحها. سيكون الهدف هو تحديد الأنواع التي ستبذل قصارى جهدها للبقاء على قيد الحياة في درجات الحرارة المرتفعة التي سيختبرها مزارعونا في العقود القادمة.

لقد لعب القمح دوراً رائعاً في تاريخ البشرية. نأمل أن يساعد هذا العمل في الحفاظ على أهميته كغذاء للمستقبل.

----

ترجمة عن موقع: The Guardian