في عشرينيات القرن الماضي وصلت الثقافة الإسبانية إلى ذروتها، وعرفت هذه الفترة باسم "عصر الفضة" بعد تأثرها الكبير بالتيارات الفكرية والأدبية والفنية التي ظهرت في الدول الأوروبية، مثل التكعيبية والدادائية والسريالية والتعبيرية. وقد وصلت هذه "الحركات الطليعية" مع نهاية الحرب العالمية الأولى، وقد دخلت تلك الحركات على يد رامون غوميز دي لاسيرنا.

كتاب "الأدب الإسباني في القرن العشرين" يضع القارئ والمهتم، كما الباحث، في خضم حركة نشطة للفكر والإبداع اللذين تفجرا في سياق الحركة الأدبية في تلك الفترة، وقد اتسمت بالغنى والتنوع، وذلك بقدر ما قدم من صور مختلفة لجوانب من الحياة السياسية والدينية والأخلاقية والواقع الاجتماعي، وهي البنى التي شهدت تغييرات عميقة بسبب أحداث أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين في إسبانيا خاصة وأوروبا عموماً.

يشير مؤلفا الكتاب إلى أن القرن الماضي بدأ مع المرحلة التي أطلق عليها الباحثون اسم أزمة نهاية القرن "في الحقيقة لا يتعلق الأمر بمجرد حركة أدبية فحسب، وإنما نتحدث عن موقف امتد على طول مرحلة بأكملها وتميز بالتمرد، والاحتجاج على الأرثوذوكسية الفاعلة، ليس في الفنون وحسب، وإنما في المجال الاجتماعي والسياسي والديني والأخلاقي".

ويعد رامون دي فايي انكلان "1866-1936" أبرز كتاب نهاية القرن، فقد تجلى فكره في معارضة الوضع السياسي والاجتماعي للفترة التي عاش فيها، وتبنى موقفين –أدبيين- في آن معاً: الهروب من الواقع أو نقده. واتسمت أعماله الأدبية المتنوعة "بنزعة دائمة إلى تحطيم قوالب الأنواع الأدبية، خصوصاً في الرواية والمسرح، فيصعب علينا أحياناً تصنيف العديد من أعماله، وذلك لكونها تندرج ضمن هذين النوعين. مما لا شك فيه أننا أمام مجدد ذلك أن الكثير من أعماله تم تقديرها مؤخراً على العصر الذي عاش فيه".

ومن جيل نهاية القرن يستعرض الكتاب أعمال كاتبين معاصرين لانكلان وهما: الروائي بيو باروخا والشاعر أنطونيو ماتشادو. والأول منهما يتسم إنتاجه بضخامته على الصعيد الروائي إضافة إلى المقالات الصحفية والدراسات وكتب الرحلات.

أما الشاعر ماتشادو فكان صاحب تجربة متميزة بالرمزية، وأظهر من خلال أعماله تركيزاً قوياً على أن "ما يهم في الشعر هو الشيء الأكثر جوهرية في الكائن الإنساني، هو حميميته، إنما في الوقت نفسه الذاتي والعالمي وهي تظهر في العلاقة مع العالم". والشعر هو "حوار الإنسان، حوار إنسان مع زمانه".

ويعد الشاعر خوان رامون خيمينيز "1881-1958" ممثلا للحركات الطليعية، وحركة التسعمئة، ونقلة أخرى في الإبداع الأدبي الذي شهدته الحياة الفكرية والفنية في سياق تطور تاريخي للأدب الإسباني. ويمكن أن نعتبر خميمينز "شاعراً كاملاً بكل ما للكلمة من معنى، فهو يمثل ذلك الإنسان الذي يجعل من حياته وشعره شيئاً واحداً". وينظر خيمينيز إلى الإبداع الشعري على أنه "كل متكامل كمثل وحدة إبداعية، يخضع دائماً لمراجعات مستمرة، يكون الهدف منها خلق عمل أدبي دائماً ما يكون حياً وحاضراً للشاعر وذلك بحثاً عن الكمال الجمالي".

وعند الحديث عن "مجموعة الـ 27 الشعرية" يتصدر المشهد الشاعر الشهير فيدريكو غارثيا لوركا "1898-1936" كأحد أبرز المبدعين والمؤثرين في الأجيال التالية برفقة رفائيل ألبيرتي.

تميز لوركا بمواهبه المتعددة، فقد كان على معرفة بالموسيقا والرسم، وقاد الفرقة المسرحية في الجامعة. وانقسم شعره إلى مرحلتين "الشعر الشعبي، والشعر ذو الأثر السريالي" ويعرف قراء العربية العديد من أعماله الشهيرة "أعراس الدم، يرما، بين بيرناردا البا". ولوركا "واحد من أعظم الأسماء في الشعر الإسباني المعاصر، وقد تحول إلى أسطورة بعد اغتياله التراجيدي مع بداية الحرب الأهلية الإسبانية".

أثرت الحرب الأهلية في إسبانيا بشكل كبير، خاصة في أعمال العديد من الأدباء الذين غادروا إلى المنفى، حيث "قدم موضوع الأرض المفقودة، في البداية، نغمة حزينة يائسة غير أن بعض المؤلفات استحضرت موضوع الصراع، فكرة الآمال الضائعة والهزيمة، ولكن ما إن مرت المأساة حتى فسحت المجال أمام استحضار الذكريات الحنينية للأراضي الإسبانية".

وقد ظهرت تيارات جديدة في الأدب بعد الحرب الأهلية سواء على صعيد الكتابة الشعرية أم الروائية أم المسرحية، حيث ظهرت أسماء وتجارب جديدة قدمت جوانب من الواقع الاجتماعي والإنساني في تلك المرحلة.

يقدم الكتاب لوحة غنية، على صعيد المعلومة والرؤية، لمجمل التغيرات التي حدثت في إسبانيا على مدار قرن، مطلاً على التيارات الأيدولوجية والنزعات الفنية والأدبية في حقول الرواية والشعر والمسرح، يجد فيها المهتم والباحث الكثير مما يرغب في الاطلاع عليه في هذا الجانب.

----

الكتاب: الأدب الإسباني في القرن العشرين

الكاتب: نيبيس باراندا ليتوريو- لوثيا مونتيخو غوروتشاغا

ترجمة: جعفر محمد العلوني

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب