يدرس كتاب "الأرض، الوطن" للكاتبين إدغار موران وآن بريجيت كيرن، المواطنة الأرضية وأنسنة العلاقات بين المجتمعات، منتقداً فيه السياسات الإمبريالية، ومتطرقاً فيه إلى مرحلة ما قبل التاريخ والقصص الكبرى بدءاً من الأسس التي انطلقت فيها فكرة العولمة، وبداية تشكل الوعي الكوكبي حول استمرار التهديد النووي، وتشكيل الوعي البيئي وربطه عالمياً بالتلوث وغيره، ودخول العالم الثالث والقبول به كمشارك، وتطور العولمة المتحضرة بإلغاء ثقافة الآخر.

يضم التمهيد مرحلة ما قبل التاريخ والتاريخ المجتمعات القديمة وانتقالها إلى المدنية، ثم المجتمعات الحديثة وإبادة كل المجتمعات البدائية، وظهور الدول وتعددها والصراع فيما بينها حتى الموت.

يشير الكاتبان إلى التواريخ العظيمة على مدار خمسة آلاف عام، والتي تبدأ مع العصر الكوكبي أو الثورة الكوكبية والعولمة الفكرية ولا سيما تلك الحاصلة عن طريق الحروب وانتقال البشرية من حالة الأمل إلى التهديد بعد تدمير النازية والعولمة الاقتصادية وتطور العولمة المتحضرة والثقافية وتشكيل الفولكلور العالمي.

الكوكب الفريد

ينتقل الكتاب إلى دراسة الأرض كما لم نرها من الأرض وظهور الإنسانية وخريطة الهوية الأرضية والأرض الكوكب الفريد الذي ولدت منه الحياة، وانتشرت على سطحه الكائنات الحية، وكيفية تشكل الأرض عن طريق التقاء الغبار الكوني وتكتله.

ثم يشرح لنا وحدة الأجناس البشرية "الأنثروبولوجية" وتمتع الإنسان بهوية أساسية واحدة لجميع سلالاته رغم اختلاف الجسد، من حيث الحجم واللون وشكل العيون والأنف.

يكشف الكتاب أيضاً وعي الإنسان على الأرض، الذي يعدّها كياناً فيزيولوجياً وبيولوجياً وأنثروبولوجياً، وليست كياناً حسابياً مكوناً من كوكب مادي ومحيط حيوي.

الاحتضار الكوكبي

يسلط الكتاب الضوء على الاحتضار الكوكبي من خلال مشكلات الاقتصاد والتوزع السكاني والتنمية البيئية وغيرها من القضايا التي تهم الأمم والحضارات. مشيراً إلى المشكلات الثانوية المتعلقة بالعملية المزدوجة، المتناقضة والمتصلة للتضامن وبلقنة الكوكب ونشوء القوميات وأزمة المستقبل العالمية، فالمستقبل ليس بالضرورة التنمية بل المستقبل الآن هو اللايقين.

ويتساءل الكاتب تحت عنوان "علة الحضارة أو مرضها" قائلاً: أليست الحضارة - أنموذج التنمية - هي نفسها مريضة التنمية؟ حيث يعيش الأفراد مستهلكين للحاضر، منساقين بالخضوع للتوافه والثرثرة من دون فهم بعضهم بعضاً.

يؤكد الكاتبان على التطور غير المنضبط والأعمى للعلم التكنولوجي وسيطرة التفكير الميكانيكي والتجزيئي والهمجية الجديدة التقنية العلمية البيروقراطية التي لا يمكن فصلها عن سيطرة منطق الآلة الاصطناعية على الكائنات البشرية.

وفي فقرة خاصة بعنوان "أهدافنا الأرضية" يشرح الكتاب شروط تحقيق الإنسانية وبناء الحضارة على الأرض من خلال التغيير الجذري من خلال مبدأين هما بقاء الإنسانية ومتابعة السعي لتحقيق الأنسنة. ثم ينتقل إلى التنمية في الدول المتطورة والنامية، وأن التخلف الفكري والنفسي والعاطفي والإنساني السائد هو العقبة الأساسية في وجه التأنسن، وأنه علينا إعادة اكتشاف العلاقة بين الماضي، الحاضر والمستقبل سواء تلك العلاقة الداخلية أم الخارجية.

ملاذ الخلاص

يعرج الكتاب على الخلل الاقتصادي العالمي الذي أدى إلى التضامن بين الواحد والكل في الوقت نفسه عند حدوث أزمات واضطرابات اجتماعية أو سياسية تؤدي إلى تدميره. لا يوجد خلاص إذا كانت الكلمة تعني الهروب من الهلاك، إنما إذا كان الخلاص يعني تجنب الأسوأ وإيجاد أفضل ما يمكن، فإن خلاصنا الشخصي في الضمير والمحبة والأخوة، وخلاصنا الجماعي في تجنب كارثة الموت المفاجئ للإنسانية وجعل الأرض، الضائعة في الكون، "ملاذ الخلاص".

----

الكتاب: الأرض، الوطن

تأليـف:إدغار موران، وآن بريجيت كيرن

ترجمة: د. سلمى دبجن

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق،