إلقاء الضوء على التقاليد المميزة والحياة الاجتماعية التي عاشها أهل دمشق في تعاملهم وتوادهم وتراحمهم وصلاتهم وتعاضدهم في إطار الحرفة، والبيع والأخذ والعطاء، والبر والأثرة، فضلاً عن الحذق والمهارة وسرعة الخاطر من خلال مواقف ومثالب ومماحكات، ومفارقات بل والطرفة والأغنية الفلكلورية.
بدأ الكاتب منير كيال كتابه"إيقاعات شامية" بذكر أهمية هذا الكتاب كونه يتناول الحياة الاجتماعية في دمشق خلال الفترة الممتدة من أواخر القرن التاسع عشر إلى أواسط القرن العشرين، وهو ينطبق على ما عاشه الكاتب خلال العقد الثالث والرابع من القرن العشرين، ويروي الكاتب أن مصدر معلوماته كذلك هم من كبار السن ممن عايشوه وعاصروه خلال هذه الفترة الزمنية.
يصور الكاتب مشهداً من مشاهد الحياة الدمشقية السائدة في تلك الفترة عبر حوارية بين أفراد الحارة باللهجة الشامية المحكية، من حيث المقهى وزبائنه وقصر الكبارية "جزء مخصص من المقهى في دمشق القديمة لأكابر الحي وسمي بالقصر" فيه يلتقون ويتسامرون ويتناولون الأمور العامة والخاصة، ويحتسون الشاي أو القهوة، أو بعض الشراب كالليمون والبرتقال، ومنهم من يدخن الأركيلة، من خلال هذه الحوارية يظهر تعامل الناس فيما بينهم وبين وجهاء الحي ودور الوجهاء في مد يد العون للفقراء والمحتاجين دون منّ أو أذى.
تصوير الكاتب للحياة الدمشقية لا يقتصر على الحياة خارج البيت في الحارة، بل على الحياة ضمن المنزل كذلك، ولم يغفل الكاتب عن شرح المفردات التي أوردها في الحوارات بين الشخصيات لكي يسهل على القارئ فهم المعنى المقصود بدقة.
تناول الكاتب عدة عناوين رئيسية على شكل حكم، تفرع عنها عناوين فرعية على شكل فقرات، من هذه العناوين الرئيسية: ما بيشبع العين إلا التراب، حكم قراقوش، مشحر يا زوج التنتين، الطمع والجشع، الكركوزاتي، الدنيا أكبر همه، كلام بينباس، حق الخبز والملح، الخوف بيقطع الجوف وغيرها. ومن هذه العناوين تفرعت فقرات ركزت كل منها على مقولة دمشقية، وترتكز على عادة أصيلة أو حكمة متوارثة مستمرة عبر الأجيال، منها: السلام لألله، ما بيطلع عن ضربة، الطمع ضر ما نفع، خطوب لبنتك، العين بصيرة والإيد قصيرة وغيرها. والقارئ للكتاب يرى ما يصوره له الكاتب كأنه أشخاص حقيقيون يستمع إليهم، ويشعر بهم، ويتفاعل معهم، فيسر لسرورهم ويتألم لألمهم، ويقف معهم في الموقف الذي يجب أن يكونوا عليه، فهي تماماً كأنها حدوتة معاشة تمس مشاعره، وأحاسيسه كأنه أحد شخوصها ضمن إطار المثل الشعبي والمقولة والعبرة والحكاية والموقف وما يتضمنه ذلك من معان وقيم أصيلة متوارثة.
----
الكتاب: إيقاعات شامية في مكنون السلوك الدمشقي
الكاتب: منير كيال.
الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، 2013