ينطلق الناقد سيمون فرايليش في كتابه "الدراما السينمائية" الذي قام بترجمته غازي منافيخي من إظهار خصائص الفنون وعلاقتها ببعضها البعض، ملقياً الضوء على وجه الاختلاف والتلاقي بينها وبين السينما والآلية التي تحكم هذه العلاقة.

عرج الكاتب على مختلف التيارات وتطورها عبر الزمن، متناولاً الجوانب المختلفة للعلاقة بين الكلمة والصورة السينمائية من خلال رؤية تحليلية تعتمد على نماذج مختلفة من الأفلام، مظهراً أهمية جماليات السيناريو الأدبي وما يقدمه من متعة سينمائية، طارحاً سلسلة من المفاهيم التي تشكل في مجملها أساساً لإنجاز الفيلم.

يرى "فرايليش" أن فن السينما يرفع الحدود والحواجز بين فن الكلام والفن التشكيلي، لأنه يسيطر على الزمن والشكل معاً، منطلقاً من التعريف الذي وضعه مؤرخ الفن الإسباني "لوبيز" عن الفن السينمائي "الفيلم هو فن الزمن في إطار الشكل". فقد انطلق الأسلوب السينمائي بدابة مقلداً لفنون أخرى "المسرح والفن التشكيلي فالسرد الأدبي" إلى أن استجمع إمكانياته وخبراته الفنية الخاصة في تطوير أساليب التأثير على المشاهد السينمائي.

وأشار إلى أن الفيلم يستمد عناصره من كل الفنون الأخرى، فيستمد من الرسم عناصر التأثير البصري للصورة ، ومن الموسيقا إحساس الانسجام والإيقاع في عالم الصوت، ومن الأدب يستمد إمكانية التعامل مع المواضيع الحياتية المختلفة، ومن المسرح فن الممثلين، وكل ذلك يقدم بطرق ابداعية تضفي على مكنوناتها الكثير. لذا فالسينما هي الفن الذي يربط الفنون بعُرى دقيقة.

علاقة السينما بالأدب

فيما يتعلق بالرواية، بين السيناريو الأمين لها وذاك الذي يحاول الخروج إلى فضاءات أخرى، دار بحث حول "سبب إخفاق تصوير عروض مأخوذة عن روايات وقصص" خاصة عند إجراء مقارنة بين الرواية والفيلم، ومن الأمثلة التي قدمها الكاتب وحصدت نتائج جيدة تلك التي اعتمدت عدم استنساخ الرواية وإنما السعي إلى تقديم بناء درامي جديد، فتم إهمال ما هو ثانوي في الرواية لصالح اختيار الأكثر حرارة لإيجاد توتر درامي الأمر الذي يطوّر الموضوع ويعطي المخرج والممثلين دفعاً لإبراز مقدراتهم.

الواقعية الجديدة

تناول المؤلف موضوع الواقعية في السينما، مشيراً إلى أن مؤسسي الواقعية الاشتراكية في الفيلم السوفييتي (إيزنشتاين، يودوفكين، دونشينكو) فهموا أحداث القرن العشرين وعرضوها. أما الواقعية الجديدة في الفيلم الإيطالي فرأى أنها تكمن في تحوّل فناني هذا الاتجاه إلى تجسيد الأمور الحياتية بشكل حقيقي من خلال عرض المفاهيم الشعبية، ولكن هذه الواقعية الجديدة لم تدفع الفيلم الإيطالي إلى الأمام فقط وإنما قدمت للفن العالمي وثيقة هامة ساعدت في تثبيت التقاليد الواقعية، ومهدت الطريق أمام هذه النوعية من الأفلام.

ونوه لمقال نشر في صحيفة "البرافدا" العدد 7/4/1952 تحدث عن الأسباب الرئيسية لمراوحة الدراما في مكانها "السبب الرئيسي للشح الدرامي كون الدراميين لم يضمنوا القضايا الحياتية، وإنما مروا بها مروراً، على الدراما أن تعرض القضايا الحياتية وإلا فهي ليست دراما".

التطور في السينما

وفق "فرايليش" تتألف تركيبة الفن السينمائي الحديث من حصيلة الرابط بين الصورة والكلمة، إلا أن العلاقة التبادلية بينهما تغيرت مع الوقت، وبدون معرفتها لا يمكن تحديد التطور الذي مر به الفيلم عبر الزمن، وميّز بين ثلاث حقب مختلفة، وهي:

الحقبة الأولى المرتبطة بالتطلع إلى قرار العرض وهو متحرر من الكلمة. ولكن لم يكن بمقدور الفيلم التطور لو احتمى خلف الصورة والمونتاج فقط لأنه يحتاج الكلمة ليكون على صلة مع مجالات جديدة في الحياة، فالفيلم الصامت الذي ابتدع لنفسه وسائل التعبير قاد بالضرورة إلى الفيلم الناطق، وبذلك بدأت الحقبة الثانية حيث غدت فيها الكلمة المنطوقة العنصر الأهم في اللغة السينمائية وغيّرت من شكل ومسائل التعبير، وتظهر اليوم هذه الحقبة كضرورة لها نواظمها. أما الحقبة الثالثة فبدأت من الأربعينيات حيث ظهر نص المؤلف والصوت الداخلي لأشخاص الموضوع إضافة إلى الكلمة المنطوقة، وتسلم الفيلم خبرة الأدب، ووجد مميزاته الخاصة وأسلوبه في التعبير عن مضمون عصره.

وخلص المؤلف إلى الإشارة إلى أن السينما قُدِمت كأدب مصور استمد قوته من تعدد جوانب استخدامه للكلمة، كما أن معارف واستخدامات مواضيع السينما الحديثة جعلها في حل نهائي من المسرح، مشدداً على فكرة أن الفن السينمائي الحديث مستمر في تطوره.

----

الكتاب: الدراما السينمائية

الكاتب: سيمون فرايليش

ترجمة: غازي منافيخي

الناشر: وزارة الثقافة، المؤسسة العامة للسينما، دمشق، 2019