عندما يكون الشاهد على مصير جيل بأكمله، كاتب بحجم ستيفان تسفايغ، فإن هذه الشهادة ستكون محايدة ونزيهة وأمينة وهي تسرد زمن الهزيمة الرهيبة للعقل والانتصار الأكثر جموحاً للوحشية.

ستيفان تسفايغ من الجيل الذي عاصر حربين عالميتين مدمرتين، وكان شاهداً على الانتكاسة الأخلاقية الأوروبية. وفي مواجهته للهمجية التي قلبت القارة رأساً على عقب، خسر منزله ثلاث مرات، وأصبح مشرداً؛ هذا التشرد الذي وطد لديه معنى أن يكون حراً بمعنى من معاني الحرية.

يقول تسفايغ: "لقد رأيت الأيديولوجيات الجماهيرية الكبرى تتنامى وتستفحل أمام عيني، الفاشية في إيطاليا، والنازية في ألمانيا، والبلشفية في روسيا، ولا سيما ذلك الداء العضال، داء النازية، الذي سمم ازدهار حضارتنا الأوروبية. ولم يكن لي بد أن أكون شاهداً لا حول له ولا دفاع عن ارتداد البشرية، الذي لا يمكن تصوره، إلى بربرية".

يرى تسفايغ أن العصر الذي سبق الحرب العالمية الأولى، هو العصر الذهبي للأمن، والذي بدا مؤسساً على أساس الديمومة والاستمرار. وبهذا الأمن وحده كان يمكن للحياة أن تعد جديرة بأن تعاش. وبعد أن حطمت العاصفة هذا العالم، أصبح عالم الأمن قصور الأحلام.

ولد تسفايغ عام 1888 في إمبراطورية كبيرة شديدة البأس، في ظل مملكة آل هابسبورغ، وترعرع في فيينا. ثم غادرها قبل أن تتردى مكانتها ولتصبح عاصمة إقليم من أقاليم ألمانيا. ويتابع: "أما إنتاجي الأدبي باللغة التي كتبت بها، فقد أحرق وتحول إلى رماد، حتى في البلد ذاته الذي حولت فيه كتبي ملايين القراء إلى أصدقاء لي. وعلى هذا فما عدت أنتمي إلى أي مكان. فأنا في كل مكان غريب، وفي أحسن الأحوال ضيف. وحتى وطني الحقيقي، وهو أوروبا، ضاع مني منذ أن تمزقت أوصاله مرة ثانية بأسلوب انتحاري في حرب بين الأشقاء".

إن "عالم الأمس" كتاب رشيق في تناوله لما كانه عالم الأمس وما يرزح تحته عالم اليوم. إنه يؤكد بلغة شفافة أن هذا العالم المتقدم تكنولوجياً، قد سحق بآلاته وتروسه الضخمة البشرَ وحولهم إلى وقود حرب، أو جثث مرمية في شوارع المدن.

----

الكتاب: عالم الأمس

الكاتب: ستيفان تسفايغ

ترجمة: محمد حديد

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، 2009