يبيّن د. عفيف بهنسي في كتابه "التراث الأثري السوري" أن أقدم تسمية أطلقت على هذه المنطقة العربية هي "بلاد عمورو"، ثم ظهرت تسمية "آسورا عربايا" في العهد الفارسي، وتحرف اسم "آسورا" إلى "سورية". وكان الإغريق أول من استعمل هذه التسمية التي وردت على لسان "هيرودوت" المؤرخ.

لم تكن حدود سورية واضحة، ذلك أن السلطة السلوقية امتدت إلى أطراف تشمل آسيا الوسطى والعراق وقسماً من إيران، أي أن القسم الآسيوي من إمبراطورية الإسكندر أصبح يحمل اسم المملكة السورية. وعندما فتح "بومبي" البلاد عام 64 ق.م أعاد لسورية حدودها التقليدية، لكن أطلق عليها اسم ولاية سورية، وكذلك كانت حدود الدولة في العهود الرومانية والبيزنطية واسعة أيضاً.

يبدأ العصر الحجري القديم -الباليوليت في سورية منذ مليون عام، وينتهي في الألف الثاني عشر ق.م. ويمتد العصر الحجري الوسيط بعده إلى الألف الثامن ق.م. ويبدأ العصر الحجري الحديث قبل الفخار منذ ذلك التاريخ وحتى الألف السادس ق.م، كذلك يمتد عصر الفخار حتى الألف الرابع ق.م.

ولطالما عُرفت خصائص العصر الحجري القديم من مكتشفات نهر الكبير الشمالي والفرات والعاصي والليطاني، أما خصائص العصر الحجري الوسيط فعرفت من مكتشفات المريبط والشيخ حسن وأبي هريرة ويبرود، كذلك عُرفت آثار العصر الحجري الحديث من خلال آثار تل أسود وتل الرماد والغريفة وتل الخزامى قرب دمشق، وبقرص والدوارة والكوم. ويعود تاريخ الاستيطان البشري في سورية إلى المرحلة الآشولية القديمة.

ونشأت في حوض الفرات قرى بلغت مساحة بعضها ثلاث هكتارات، حيث كان سبب نشوئها وتكوين الأسر فيها هو الاستقرار في منطقة يتوافر فيها الماء والكلأ والأمن. ومنذ بداية الألف التاسع ق.م شهدت سورية ظهور أوائل القرى الحضرية، حيث عُثر على آثار لزراعة القمح والشعير وتربية المواشي، إلى جانب ذلك وكوسائل دفاعية ونظراً لعدم اكتشاف المعدن في ذلك التاريخ، فقد استعمل الإنسان ما قبل التاريخ الحجر على اختلاف أنواعه لصناعة الفؤوس والحراب.

أما التقدم المدني فقد بدأ منذ الألف السابعة ق.م، وفي العصر النحاسي ظهرت أوائل المباني العامة كالمعابد التي استُخدم في بنائها اللبن والحجر.

آرام وآسورا عربايا

يدل مصطلح آرام كما ورد في التوراة على الأقسام الشمالية من الرافدين وبالتحديد المنطقة الواقعة بين منبع البليخ وحتى الفرات، وقد عُرفت باسم "بين النهرين" أو "ميزوبوتاميا" ومركزها "حران".

وقد كان الآراميون قد استقروا منذ الألف الثالث في هذه المنطقة، وكانت لهم لهجتهم المميزة التي حملت فيما بعد اسمهم، وتعتبر منطقة عين داره غربي حلب من أهم المواقع الأثرية الآرامية التي تحمل آثار النزاع مع الحثيين، ولقد سُكن هذا الموقع في جميع العصور حتى عهد الحمدانيين، ولم يحدد اسمه القديم بعد، لكنه يبقى بآثاره الضخمة مرشحاً لأن يكون عاصمة لمملكة آرامية.

ومن أهم الممالك الآرامية "بيت بخياني ومملكة صوبا ومملكة دمشق"، كذلك من أشهر الممالك الآرامية "مملكة آرام وعاصمتها حران، ومملكة آرام النهرين، ومملكة بيت عديني، ومملكة شمأل، ومملكة حماه، ومملكة بيت رحوب، ومملكة آرام معكا، ومملكة جشور، ومملكة بين آجوشي".

ولقد امتد الآراميون بنفوذهم التجاري وانتشرت مع تجارتهم لغتهم حتى أصبحت لغة رئيسية في بابل وآشور ومصر وفارس وفلسطين، وأطلقت تسمية آراميين على جميع من يتكلم اللغة الآرامية من بلاد فارس وحتى حدود بلاد الأرمن وبلاد الإغريق ومصر.

سورية في العصر الروماني

لعب أباطرة روما السوريين دوراً هاماً في تدعيم الإمبراطورية وتوسيع انتشارها وتعديل قوانينها، ثم في تدعيم المسيحية الأولى وإحلالها محل الوثنية.

ولقد ظهرت الأسرة السورية في عهد عميد العائلة "سبتيموس سيفيروس" الليبي من لبدة، وقد تزوج من جوليا دومنا الحمصية التي تتكلم الآرامية، وقد اكتسبت سورية طابعاً استقلالياً تقريباً في عهد هذه الأسرة التي اعتلت عرش الإمبراطورية وجاء بعدها فيليب العربي، حيث كان لهؤلاء الأباطرة دور بارز في حماية وجود الإمبراطورية الرومانية.

وبحسب د. بهنسي فإن الوقوف في روما يثير الأشجان والفخر، فهناك أثر حكم أفراد الأسرة السورية، وهناك آثار العباقرة من السوريين العظام الذين أوجدوا قوانين حقوق الإنسان، وهم من بنوا الأوابد كذلك.

التراث الإسلامي

يعتبر الجامع الأموي في دمشق من أقدم الأوابد المعمارية وأكملها، وقد أُنجز في العام 715 للميلاد في زمن الخليفة الوليد بن عبد الملك مكان معبد جوبيتير الروماني، كذلك أنشئ الجامع الكبير في حلب في عهد سليمان بن عبد الملك. وفي عهد هشام بن عبد الملك أنشأت القصور الضخمة في فلسطين منها قصر المغجر وفي لبنان قصر عنجر، وفي سورية قصر الحير الشرقي والحير الغربي. أما في العهد العباسي فقد بُنيت مدينة الرقة وأُعيد بناء أسوارها وترميم قصر البنات وحصن هرقلة.

ومن أهم المباني المعمارية في العصر الأيوبي قلعة دمشق التي بُنيت في عهد الملك العادل شقيق السلطان صلاح الدين، وقلعة حلب. كذلك من أهم المدارس في ذلك العصر مدرسة الفردوس في حلب.

ومن الآثار الإسلامية في العهد العثماني ساعة باب الفرج ومجمع الخسروية في حلب، والتكية السليمانية في دمشق. كذلك تميزت العمارة الإسلامية في ذلك العهد خاصة البيوت الحلبية منها كدار أحقباش وبيت الوكيل، والبيوت الدمشقية كقصر العظم الذي يشغل متحف التقاليد الشعبية، وبيت السباعي، وبيت نظام.

----

الكتاب: التراث الأثري السوري

الكاتب: د. عفيف بهنسي

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب