كارل ماركس هو عالم اقتصاد، وهو الذي ينسب إليه ضرب من التقيد الاقتصادي الذي يقول بأن القوى المنتجة ومستوى هذه القوى يسببان بصورة آلية محضة نشوء العلاقات والأشكال الأخرى التي يتكون منها الواقع الاجتماعي، مثل علاقات الملكية والمؤسسات والأفكار.

يتناول كتاب "رأس المال" وهو أشهر كتب كارل ماركس، المجتمع البرجوازي، ونمط الإنتاج الرأسمالي. ويعالج ماركس هنا التنظيم الذاتي في هذا المجتمع وآليات التوازن المؤدي إلى بقاء بنيانه، مثل تكوين سعر الربح ونسب إعادة الإنتاج الموسع.

يقدم ماركس اعتراضاً على الرأسمالية، ويرى أن الطبقة الكادحة في نضالها ضد البرجوازية المتسلطة قد أخذت تعي الرأسمالية. ويقدم ماركس أيضاً الدليل على أن الرأسمالية القائمة على التنافس متجهة نحو الزوال؛ إذ تتهددها قوتان اقتصاديتان واجتماعيتان تستهدفان حل بنيانها الداخلي وتحطيمه. وهاتان القوتان هما الطبقة العاملة والاحتكارات.

في "رأس المال" يستعرض ماركس صيرورة الرأسمالية القائمة على التنافس في كليتها. إنه يبين نشوءها ونموها وبلوغها الأوج ثم انقراضها الحتمي. المجتمع الرأسمالي شأنه شأن أي واقع، يولد وينمو ثم ينحدر ويموت.

في فصل "سوسيولوجيا المعرفة والأيديولوجيا" يؤكد الكاتب هنري لوفيفر بأن مفهوم الأيديولوجيا هو من أكثر المفاهيم التي جاء بها ماركس شمولاً وابتكاراً، وهو أيضاً من أصعبها وأكثرها غموضاً. إن دراسة الأيديولوجيات تفسح المجال لنقد جذري ولشرح تاريخي جامع. فالتصورات العامة "كالفلسفة والحقوق والدين والفن والمعرفة ذاتها، هي تشكيلات ضبابية انبثقت من دماغ الإنسان وأضيفت إلى الحركة الحيوية المادية التي يمكن رصدها بغير هذه الوسائط، وعن طريق الاختبار".

يرى ماركس أن المجتمع الذي يصبح فيه الاستقطاب إلى طبقات متنازعة أمراً أساسياً، هو مجتمع متأخر من الناحية التاريخية، وهو آخر مجتمع يتكون قبل الاشتراكية، ويعني به المجتمع الرأسمالي. فالمجتمعات تتقدم وتنهار تبعاً لما تشتمل عليه من خلاف ونزاع داخلي".

حين يباع كل شيء – إن صح التعبير – ينقسم المجتمع إلى قئتين متعارضتين: الفئة التي تبيع، والفئة التي تسقط في زمرة المتابع المباع، أي الأشياء. مجتمع الاستهلاك لا يعنى مطلقاً بالحاجات الاجتماعية إلا تبعاً لمقياس الربح. فإذا استطاع تلبية حاجات بدائية، عجز عن إشباع حاجات أرقى. فضلاً عن أنه ليس من المؤكد أن الحاجات البدائية نفسها تجد تلبية لها، غذ يحل فقر مستحدث محل الفقر القديم.

إن التبذير والاستهلاك الباهظ لدى فئات من أصحاب الامتيازات، لا يمكنه إخفاء الفقر والفقر الجديد لدى فئات أوسع منها بكثير؟

----

الكتاب: ماركس وعلم الاجتماع

الكاتب: هنري لوفيفر

المترجم: بدر الدين الرفاعي

الناشر: وزارة الثقافة، دمشق، 1971