لا خسارة تعادل خسارة الأرواح، والتي كانت كبيرة جداً نتيجة كارثة الزلزال الذي وقع في 6 شباط لعام 2023 في سورية، إلا أنه لا بد من وجود منهجية علمية بحثية لتقييم الأضرار وقد مضى على الكارثة حوالي الشهر، وبدأت الجهود الإغاثية تسير نحو التوقف، لتبدأ المراحل اللاحقة التي تشكل مسار حالة ما بعد الكارثة، والتي هي التعافي والانتعاش والاستدامة.

وعليه قدم الدكتور أيهم أسد مدير البحوث والاستشارات في المعهد الوطني للإدارة العامة (إينا) إطاراً عملياً لسياسات مرحلة ما بعد الكارثة قائم على منهجية التقييم المتكامل للأضرار والخسائر وفقاً لخطوات علمية منهجية. مُعرفاً الناتج عن الكارثة بأنه دمار كلي أو جزئي يلحق بالأصول المادية في المنطقة المتضررة، ويحدث الضرر أثناء الكارثة وبعدها مباشرة، ويقاس بوحدات مادية -الأمتار المربعة بالنسبة إلى المنازل، الكيلومتر بالنسبة إلى الشوارع، العدد بالنسبة إلى الآليات والمعدات- وتكون ملموسة وسهلة القياس نسبياً.

تقديرات تفصيلية

تحدث الدكتور أيهم أسد عن حساب حجم الأضرار الناتجة عن الكارثة بشكل تفصيلي في القطاعات الاقتصادية كلها بموجب منهجية واضحة، حيث تُستخدم قيمة الأضرار كقاعدة لتقدير احتياجات إعادة الإعمار "تكلفة التعافي" والمطالبة بمدفوعات التأمين؛ بحيث يُعبر عن قيمة الضرر الكلي أو الجزئي على شكل تكاليف نقدية للاستبدال الكامل للضرر الكلي أو الإصلاح للضرر الجزئي وفقاً للأسعار السوقية السائدة قبل وقوع الكارثة مباشرة. على ألا يتجاوز الإطار الزمني لإعادة تقييم الأضرار أكثر من 60 يوماً. لافتاً إلى أن تكون تكلفة الاستعاضة عن الأصول التي لحقت بها أضرار بمواد من نوع وجودة مماثلة. والاستبدال ليس بالضرورة أن يكون تكراراً دقيقاً للأصل ذاته، إلا أنه استبدال يؤدي نفس الغرض أو المهمة التي يؤديها الأصل الأساسي. كما يمكن أن يكون الاستبدال بمواصفات أفضل من مواصفات الأصل المتضرر أيضاً. وخاصة أن هناك ضرراً كلياً يجب إزالته. وضرر جزئي يمكن إصلاحه وترميمه.

وهنا لا بد من توضيح أنواع مختلفة للأضرار في مقدمتها المباني السكنية والشوارع والجسور والأنفاق، ووسائط النقل ومعداتها كاملة والملاعب ومرفقاتها، وكذلك محطات توليد الكهرباء وشبكات الكهرباء والأبراج وملحقاتها، محطات ضخ المياه، والمعالجة، والخزانات الإسمنتية، وشبكات نقل مياه الشرب، وشبكات الصرف الصحي، والآبار، شبكات وقنوات الري الزراعي، والآلات والأدوات الزراعية، والأشجار بأنواعها، والحيوانات الحية بأنواعها.

ما بعد الكارثة

يعتمد مفهوم تقييم الأضرار مبدأ التوصيف والمسح الكامل لها. وتقدير احتياجات إعادة الإعمار إضافة إلى تقييم الخسائر من خلال توصيفها وإثباتها وحسابها وتوقع استمرار الخسائر وتقدير احتياجات تكوين رأس المال. ووفقاً لمدير البحوث والاستشارات في "إينا" يكون التقييم على المدى القصير بإجراءات التدخل السريع والفوري لتقليل معاناة البشر إثر حدوث الكوارث. وعلى المدى الطويل من أجل تحديد الاحتياجات المادية اللازمة للبدء بعملية الإعمار الشاملة، ويكون من أجل تحديد أولويات إعادة إعمار المناطق المتضررة جغرافياً وقطاعياً، وتحديد الاحتياجات المالية وتصميم البرامج المناسبة لها، رصد ومتابعة التقدم الذي تحرزه برامج المقرر لهذا الهدف. مبيناً أن قيمة الضرر قيمة ساكنة: بمعنى أنها تقدر لمرة واحدة بعد الكارثة مباشرة باعتماد أسعار فترة مرجعية متفق عليها بمنهجية التقييم. ويمكن تفصيل تقييم الأضرار والخسائر لكل وحدة إدارية لوحدها أيضاً. أما قيمة الخسارة فهي قيمة متغيرة مستمرة حتى إعادة عمل الأصول المدمرة وتعافيها.

ويرى ضرورة حساب القيمة الكلية للأضرار في القطاعات كافة. ويمكن أيضاً قياس القيمة الإجمالية للأضرار والخسائر للوحدة الإدارية فقط. واستخدام نسب مرجعية متفق عليها لتعويض الخسائر حسب كل قطاع. وذلك بعد توصيف الأضرار وتصنيفها وتوزعهاً قطاعياً وجغرافياً باستخدام البرامج الحاسوبية ومساعدة بعض الجهات المتخصصة بها من خلال تشكيل لجان مؤلفة من مهندسين "مدني، صناعي، معلوماتية، زراعي" ومحاسبين من الوزارات والوحدات الإدارية للمسح والتقييم كل حسب اختصاصه.

استهداف الأولويات

ما هي القطاعات أو الأماكن الجغرافية التي يجب استهدافها ببرامج إعادة إعمار المناطق المنكوبة وما هي مصادر التمويل؟ وما هي الأولويات التي حددتها منهجية التقييم بعد إثبات الخسائر وصدور بيانات المسح القائم على الاستمارة الملائمة لعمليات الإثبات بالوثائق وتشكيل الداتا التفصيلية؟ يرى الباحث أن إعادة بناء قطاع السكن هو الأولوية الأولى، تليه القطاعات الأخرى، ويجب توجيه مصادر التمويل الداخلي والخارجي نحو هذه الأولوية وتحديد نظام تعويضات الخسائر لأصحاب المنشآت أياً كان نوعها بشكل بتعويض جزء من رأس المال، وكذلك وضع نظام حماية اجتماعية للأسر التي تضررت من الكارثة يرتبط مع درجة تأثرها. وتوجيه مصادر التمويل المصرفي في المصارف العامة والخاصة نحو المشروعات الصغيرة لدعم الدورة الاقتصادية وامتصاص جزء من الصدمة الاقتصادية للأسر في مرحلة التعافي، وتوجيه مصادر الدين العام نحو إعادة بناء البنية التحتية الأمر الذي يؤسس لربط جزء من سياسة المالية العامة مع إدارة الأزمات والكوارث.

ربما كل ما تقدم لا يكون مجدياً إذا لم يتم توثيق ونشر كل الخطوات التي تقام في مشروع إعادة الإعمار بكافة أنواعها على الرأي العام. واعتماد مبدأ المحاسبة عليها ضمن خطة عمل وجدول زمني واضح منذ البدء وتحديد الجهات المسؤولة عن كل جزء في برنامج إعادة الإعمار. فقد أكد الدكتور أيهم أسد ضرورة وجود نظام رصد ومتابعة تشاركي لمتابعة التقدم المحرز في برامج إعادة الإعمار ضمن خطوات تطوير نظام متابعة وتقييم يبين نقاط السهولة ونقاط الاختناق وكيفية معالجتها. ومن المهم معرفة كيف كان الوضع قبل الكارثة وكيف سيكون الوضع بعدها، وكيف تضرر كل قطاع، وما هي التأثيرات المادية، وكيف أثرت الكارثة على الاقتصاد وعلى المجتمع معاً.