إنه تحذير أخير، ولكن لا أحد يريد أن يستمع. لقد وصل التجاهل البشري لنداءات الأرض المستغيثة، إلى مرحلة خطيرة، إذ إن كل ما يجري من تدهور بيئي سيدمر الحياة على الكوكب، وسيكون الإنسان، الذي يدمر ويقتل ويقطع الأشجار ويجرب أسلحته الغبية المميتة، هو الضحية.

"وجه غايا المتلاشي" كتابٌ صرخة في وجه من لا يتورع عن قتل الكوكب الوحيد في النظام الشمسي الذي توجد فيه حياة. الأرض حية، ولولا ذلك لما كنا ندافع الآن عن بقائها حية.

غايا في الأسطورة اليونانية هي ربة الأرض التي تزوجت أورانوس. هذه الربة الآن استسلمت لقدرها؛ إنها تموت بيد أبنائها القتلة واللاأخلاقيين.

يقول جيمس لفلوك: "لا يبدو أننا نمتلك أدنى فهم لجدية مصيبتنا. ولكن الأمر ليس على هذا النحو، فالبشر يدركون أنهم يدمرون حياتهم وأرضهم، ولكن هناك ما يسمى الباسيوناري أو ولع "التدمير"، ذاك الذي جعله المفكر ليف غوميلوف أساساً لكل تصرف بشري- إنه ولع التدمير.

ندرك تماماً أن الاحترار سيؤدي إلى كوارث قاتلة؛ سيتغير المناخ في القطبين، إذ إن الجليد الطافي سيذوب الآن، ومن ثم ستنحسر القبعات الجليدية لغرينلاند والقطب الجنوبي، وستزداد درجات الحرارة ارتفاعاً، وسيرتفع مستوى سطح البحر في العالم كله، وستجف المناطق الاستوائية، وهذا يعني خسارة مدمرة في إنتاج الغذاء، وسيزداد الجفاف في المناطق القارية.

إن القوى التي تحول الأرض الآن إلى بيت حار، جعلت من البيئات الطبيعية غير قادرة على امتصاص ثاني أكسيد الكربون، لأن المحيطات تحولت إلى صحاري مع زيادة درجة حرارتها وارتفاع حموضتها.

يقول لفلوك: "إن الاستنتاج الوحيد المؤكد تقريباً والذي يمكن التوصل إليه من المناخ المتغير واستجابة الناس له، هو أنه لم يبق أمامنا سوى وقت قصير للعمل. ليست البصمة الكربونية لوحدها هي التي تؤذي الأرض، لأن بصمة البشر أكبر من ذلك وأشد خطراً".

إن مهمتنا – كنوع ذكي – هي المحافظة على بقائنا، ولو أمكننا أن نتطور بحيث نصبح ذكاء متكاملاً ضمن غايا، فإن في إمكاننا عندها البقاء معاً لفترة أطول.

ازدهار غايا هو ازدهار الحياة الإنسانية، وتدمير يعني أننا نحفر قبورنا بأيدينا. سنموت نحن، وستبقى هي، وتعيد ترميم نفسها من جديد.

----

الكتاب: وجه غايا المتلاشي- تحذير أخير

الكاتب: جيمس لفلوك

المترجم: د. سعد الدين خرفان

الناشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 2012