لا يمكن التنبؤ بحدوث الزلازل، وهذا أمر بات معروفاً بعد أن أكده الكثير من العلماء وخبراء الجيولوجيا وإدارة المخاطر. ولكن ما قصة ما يسمى إدارة خطر الكوارث بالاعتماد على الجيومعلوماتية والذكاء الاصطناعي؟ وماذا يعني تقسيم ذلك إلى مراحل رئيسية تبدأ من مرحلة ما قبل وقوع الكارثة إلى آليات العلاج والمنع، وصولاً إلى مرحلة المواجهة وآليات الإنذار والتنبيه؟ وكيف يكون التجاوب مع الواقع ومرحلة إزالة آثار الكارثة وإعادة الاتزان فيما بعدها؟

حول موضوع التنبؤ بحدوث الزلازل تحدث الدكتور حسين عزيز صالح الأستاذ في المعهد العالي للبحوث الزلزالية بجامعة دمشق عن بحثه الذي يحمل عنوان (الإدارة الفعالة من خطر الكوارث باستخدام الجيومعلوماتية والذكاء الاصطناعي مدعمة بتجارب دولية وإقليمية).

تناول الباحث التقنيات الجيومعلوماتية والذكاء الاصطناعي ودمجهما في أنشطة التنمية والتخطيط للحد من تأثير خطر هذه الكوارث من خلال دورة مراحل إدارة الخطر في مراحله الثلاث، من خلال عدة أطوار وخطوات ترتبط مع بعضها بالزمن والأدوار الوظيفية فتتضمن كل منها أنواعاً مختلفة من المهارات والأفراد والبيانات المناسبة والبيانات الجيو- المكانية والمعلومات والأدوات والبرامج والخطط التنموية. وعليه فإن أنشطة مرحلة ما قبل الكارثة مطلوبة لتطوير وعرض خطوات تقييم الخطر ولإنشاء إجراءات وقائية وإعداد بنيات تشغيلية لإدارة أي حدث طارئ. بينما في مرحلتي الكارثة وما بعدها، تُنفذ الإجراءات التي يكون قد تم التخطيط لها مسبقاً، مع التركيز على إنقاذ الأرواح والتعافي الاجتماعي والاقتصادي ضمن إطار عملي معتمد. حيث تُدمج في هذه المرحلة التقنيات الجيومعلوماتية المقترنة بنظام الإنذار المبكّر مع دور البيانات الجيو-المكانية في جميع مراحل تطبيق هذه الخطة. بالإضافة إلى تبيان دور العناصر الفاعلة الرئيسة المشاركة في تنفيذ كل جزء منها (المجتمعات المحلية والحكومات الوطنية والمحليّة والمؤسّسات والمنظّمات الإقليمية والهيئات الدولية والمنظّمات غير الحكومية والقطاع الخاص، ووسائل الإعلام والمؤسسات العلمية البحثية).

الدكتور حسين عزيز صالح

الخطة الفرعية

تقنيات الذكاء الاصطناعي

تحدث الدكتور صالح عن خطة فرعية متمثلة بمرحلة ما قبل الكارثة للوقاية منها وتشمل أنشطة التخفيف والاستعداد بوضع خطط أكثر أماناً، لحماية مواقع التراث الثقافي. وهي مرحلة رئيسة في إطار العمل وتتكوَّن من طور التخطيط في تحديد تأثيرات كارثة محتملة باعتماد سيناريوهات تهدف إلى إيجاد إجراءات تخطيط فعّالة وسريعة، للتخفيف من هذه الكارثة، باستخدام نظام المعلومات الجغرافية (GIS) الذي يساعد في الوصول السريع إلى المعلومات المهمّة، والعرض البصري لنطاق وأبعاد هذه الكارثة وتأثيراتها حسب الموقع. إذ يمكن أن تتألف أنشطة هذا الطور من عدة خطوات وفقاً لما بينه الباحث ومنها أولاً: خطوة تصنيف أنواع المخاطر وفقاً لآثارها الرئيسة المحتملة، وعوامل قابلية التضرّر، وهذا سيساعد على دعم وتوضيح الروابط بين نهج الحدّ من خطر الكوارث وأنشطة تخطيط وإدارة التنمية. فعلى سبيل المثال إن العوامل الرئيسية للتضرر في قلعة الحصن والتي اعتمدها الباحث أنموذجاً للدراسة قد تشمل: الموقع والأجزاء الهشّة من القلعة. أما المخاطر الثانوية التي تهدد القلعة ومحيطها. تتمثل في الفيضانات والانهيارات الأرضية وحرائق الغابات والتوسع العمراني غير المنظّم، إلخ.

أما الخطوة الثانية فهي الدراسات العملية للمخاطر بجمِع البيانات واستخدامها لإنشاء تقييم دقيق للأخطار، وتحليل قابلية التضرّر. مع وضع سيناريو الخطر بشكل افتراضي والتي أسقطها الباحث على قلعة الحصن السورية. وحدد الأخطار المحتملة التي قد تضرب القلعة. في الحالات الأكثر والأقل شدة. بهدف تغطية النطاق الكامل لتحليل ناجح لتقييم الأخطار بتأمين معلومات موثوقة بشأن أين ومتى وكيف ولماذا من المحتمل أن تحدث مثل هذه المخاطر.

وهناك خطوة تقييم الخطر وتحليل المخاطر وقابلية التضرر وتتكوَّن هذه الخطوة عند تنفيذ الخطة العملية المتكاملة وعليه يمكن وضع سيناريوهات للتدريب والتمارين العملي.

ترسيم المعلومات

يرى الدكتور صالح أنه بمجرد ترسيم هذه المعلومات على الخرائط، يمكن البدء في أنشطة تطوير وتخطيط إدارة الكوارث بتحديد المواقع وتعيين المخاطر المحتملة. وعليه فإن مهمة المخططين العاملين في مجال التخطيط العمراني تكون بجمع ومعالجة وتقديم البيانات التي تساعد على الإجابة عن سلسلة من الأسئلة لدعم صنّاع القرار في صياغة استراتيجيات تخطيط ناجحة. ومنها تأتي خطوة تصنيف شدّة المخاطر وتقدير طبيعتها، ما يساهم في التحكم في الأخطار باستخدام الإجراءات أو التدابير المناسبة. كما أنه يمكن استخدام عملية تصنيف المخاطر وفقاً لمستوى الخطر (بيانياً أو باستخدام الجداول) لتحديد الأولويات وتحفيز المناقشات بخصوص الأسباب الكامنة ذات الآثار طويلة الأمد. كما يمكن استخدام التخطيط المكاني لمنع حدوث المخاطر، وفي الوقت ذاته لحماية مواقع التراث الثقافي. لذلك يبين الباحث أن العلاقة بين التخطيط المكاني الشامل والأقسام الأخرى للتخطيط والتنمية القطاعية عامل حاسم في تخفيف خطر المخاطر ذات الصلة بالبُعد المكاني.

طور الاستعداد

يشمل طور الاستعداد وفقاً لما أشار إليه الدكتور حسين عزيز صالح إجراءات قصيرة الأمد لإدارة الطوارئ والتي يمكن أن تؤمّن (برامج وأنظمة المعلومات، إدارة الموارد والتخطيط للطوارئ، تعبئة موظفي الاستجابة لحالات الطوارئ، التطوير المؤسسي، التكامل في تخطيط التنمية). ويمكن تطوير خطط الاستعداد من قبل الجهات الداعمة والمكمّلة لعملية إدارة الكوارث. من هذه الخطوات: خطوة تدابير التخفيف مثل بناء السدود والحواجز، أو توسع الأحياء السكنية للمناطق المهددة وضوابط قوانين البناء والحفاظ على المساحات المفتوحة وإلخ.

ويشير الباحث أن الحكومة السورية أعطت اهتماماً لموضوع مفهوم إدارة خطر الكوارث في التغلب على التأثيرات، كما هو الحال في تدابير إدارة الفيضانات في الحوض المائي أو الهيدرولوجي التي توجد فيه قلعة الحصن، حيث أُنشئ أكثر من 12 مشروعاً صغيراً ومتوسطاً وكبيراً لضبط المياه والفيضانات خلال العقد الماضي، لتأمين تدابير السلامة ضد خطر الفيضانات في المنطقة المحيطة بـالموقع، ودُعمت هذه التدابير الإنشائية واستُكملت بتدابير التخفيف غير الإنشائية مثل رسم خرائط المخاطر وضبط استخدام الأراضي. وهذا يعني أنه في خطوة التحضير للخطة المتكاملة من المهم فهم الأسباب الكامنة وراء حدوث المخاطر بما يساهم في تحسين إدارة الخطر وتحقيق التكامل العملي لمتطلبات الوقاية والتخفيف.

أثناء الكارثة

وفي حديثه حول مرحلة وقوع الكارثة، يرى أهمية أن تتوافر البيانات الصحيحة في الزمن المناسب، لتتحقق الاستجابة المناسبة. حيث يمكن استخدام التقنيات الجيومعلوماتية في جميع مراحل الخطة لتقليل تأثيرات الكوارث بشكل فعّال، خاصة في أثناء حدوث السيناريو الأسوأ لمجموعة من الكوارث المتعدّدة معاً في الوقت نفسه، كما يأتي ضمن أنموذج موقع قلعة الحصن (مثلاً، حرائق الغابات العديدة، الانزلاق الطيني، والأضرار الناجمة عن الزلازل، إلخ). إذ تتكوَّن مرحلة وقوع الكارثة من طور التنبيه بالمخاطر مثل المراقبة والتنبؤ في الوقت الفعلي، وتحديد السيناريوهات، وجمع أجهزة الإنذار بالوسائط الإعلامية، إلخ. يليه طور نشر المعلومات الخاصة باستخدام تقنيات الجيومعلوماتية على جميع الجهات المحتاجة لها. ثم طور الإغاثة ويتضمن تنفيذ مجموعة من الإجراءات قصيرة الأمد لتقديم المساعدة في حالات الطوارئ خلال وقوع الكارثة، وبعدها مباشرة.

ما بعد الكارثة

تمثل مرحلة ما بعد الكارثة، الخطة الفرعية للتعافي، ويكون التوجه الرئيسي نحو تنفيذ المشاريع الداعمة، بالتعاون والتمويل المشترك مع المجتمع المحلي والحكومة. مثل بناء الملاجئ والطرق ومشافي الصحة العقلية وأماكن توزيع معدّات الإنقاذ والإنذار.. إلخ. إذ يمكن أن تلعب نظم المعلومات الجغرافية عدّة أدوار في هذه العملية، مثل تحديد الضرر والبدء في تحديد أولويات الإجراءات، وضمان عملية التنسيق والتوحيد في توزيع اللوازم (الأدوية، الغذاء، المياه، الملابس، إلخ) تتكون هذه المرحلة من طور إعادة الإعمار والذي يبدأ بعد انتهاء الكارثة بكل ما يتضمنه من قرارات وإجراءات تساعد المجتمع على التعافي واستعادة الظروف المعيشية للسكان المتضرّرين. كما تتضمن خطوة إجراءات التعافي على المدى الطويل وقد تستمرّ هذه الخطوة بضع سنوات بعد انتهاء الكارثة أو حتى إتمام استعادة المنطقة المنكوبة بأكملها، أو إعادة تطويرها لأغراض جديدة تماماً.