يحث تقرير تاريخي على إصلاح ممارسات المياه المهدورة في جميع أنحاء العالم بالتزامن مع قمة الأمم المتحدة الحاسمة؛ حيث يواجه العالم أزمة مياه وشيكة، إذ من المتوقع أن يتجاوز الطلب على إمدادات المياه العذبة بنسبة 40 بالمئة بحلول نهاية هذا العقد، وذلك حسبما أكد الخبراء عشية قمة المياه الحاسمة للأمم المتحدة.
يجب على الحكومات التوقف بشكل عاجل عن دعم استخراج المياه والإفراط في استخدامها من خلال الإعانات الزراعية الخاطئة، كما يجب حث الصناعات بدءاً من التعدين إلى التصنيع على إصلاح ممارساتها المسببة لهدر المياه، وفقاً لتقرير تاريخي عن اقتصاديات المياه.
يجب على الدول أن تبدأ في إدارة المياه كصالح عالمي مشترك، لأن معظم البلدان تعتمد بشكل كبير على جيرانها في إمدادات المياه، والإفراط في استخدام المياه والتلوث وأزمة المناخ تهدد إمدادات المياه على مستوى العالم، كما يقول مؤلفو التقرير.
قال يوهان روكستروم، مدير معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ والرئيس المشارك للجنة العالمية لاقتصاديات المياه، والمؤلف الرئيسي للتقرير لصحيفة الغارديان إن إهمال العالم لموارد المياه أدى إلى كارثة. "الدليل العلمي هو أن لدينا أزمة مياه. نحن نسيء استخدام المياه، ونلوث المياه، ونغير الدورة الهيدرولوجية العالمية بأكملها وذلك من خلال ما نفعله بالمناخ. إنها أزمة ثلاثية".
وأضافت ماريانا مازوكاتو، وهي زميلة في اللجنة العالمية لاقتصاديات المياه، وزميلة روكستروم، وأستاذة في جامعة كوليدج بلندن ومؤلفة رئيسية للتقرير: "نحن بحاجة إلى نهج أكثر استباقية وطموحاً يحرص على الصالح العام. علينا أن نضع العدالة والإنصاف في قلب هذا النهج، إنها ليست مجرد مشكلة تكنولوجية أو مالية".
يمثل التقرير المرة الأولى التي يتم فيها فحص نظام المياه العالمي بشكل شامل، وقد تم توضيح قيمته وأهميته للبلدان بعبارات واضحة وكذلك إظهار المخاطر التي تهدد ازدهارها إذا تم إهمال المياه. كما هو الحال مع مراجعة ستيرن لاقتصاديات أزمة المناخ في عام 2006 ومراجعة داسجوبتا لاقتصاديات التنوع البيولوجي في عام 2021، يأمل مؤلفو التقرير في تسليط الضوء على الأزمة بطريقة يمكن لواضعي السياسات والاقتصاديين التعرف عليها والبدء في التفكير حلول لها.
لا تزال العديد من الحكومات غير مدركة لمدى الترابط فيما بينها عندما يتعلق الأمر بالمياه، إذ وفقاً لروكستروم تعتمد معظم البلدان في ما يقرب من نصف إمداداتها المائية على تبخر المياه من البلدان المجاورة - المعروفة باسم المياه "الخضراء" لأنها محفوظة في التربة وتنتج من النتح في الغابات والأنظمة البيئية الأخرى، عندما تمتص النباتات المياه من التربة و تطلق البخار في الهواء من أوراقها.
يحدد التقرير سبع توصيات رئيسية، بما في ذلك إعادة تشكيل الحوكمة العالمية لموارد المياه، وتوسيع نطاق الاستثمار في إدارة المياه من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتسعير المياه بشكل صحيح، وإنشاء "شراكات المياه العادلة" لجمع التمويل لمشاريع المياه في البلدان منخفضة التنمية وذات الدخل المحدود الوسطى.
يذهب أكثر من 700 مليار دولار (575 مليار جنيه استرليني) من الإعانات على مستوى العالم إلى الزراعة والمياه كل عام، وغالباً ما يؤدي ذلك إلى زيادة الاستهلاك المفرط للمياه. وقد وجد التقرير أنه يجب أيضاً معالجة تسرب المياه بشكل عاجل، وينبغي أن تكون استعادة أنظمة المياه العذبة أولوية أخرى مثل الأراضي الرطبة.
إن المياه أمر أساسي لأزمة المناخ وأزمة الغذاء العالمية. قال روكستروم: "لن تكون هناك ثورة زراعية ما لم نصلح المياه. وراء كل هذه التحديات التي نواجهها، هناك دائماً مياه، ولا نتحدث أبداً عن هذه المياه وطرق المحافظة عليها".
إن العديد من الطرق التي يتم استخدام المياه بها غير فعالة وبحاجة إلى التغيير، حيث يشير روكستروم إلى أنظمة الصرف الصحي في البلدان المتقدمة على سبيل المثال. قائلاً: "من اللافت للنظر أننا نستخدم المياه العذبة الآمنة لنقل الفضلات والبول والنيتروجين والفوسفور - ومن ثم نحتاج إلى محطات معالجة مياه الصرف الصحي غير الفعالة التي تسرب 30 بالمئة من جميع العناصر الغذائية إلى النظم البيئية المائية في اتجاه مجرى النهر وتدمرها وتسبب في النهاية مناطق ميتة. نحن نخدع أنفسنا حقاً فيما يتعلق بهذا النظام الخطي الذي تنقله المياه للتعامل مع النفايات. هناك حاجة لابتكارات هائلة".
عقدت قمة المياه للأمم المتحدة، بقيادة حكومتي هولندا وطاجيكستان، في نيويورك في 22 آذار. كان زعماء العالم مدعوين، لكن تم تمثيل معظم الدول بوزراء أو مسؤولين رفيعي المستوى. وكانت هذه هي المرة الأولى منذ أكثر من أربعة عقود التي تجتمع فيها الأمم المتحدة لمناقشة المياه، مع محاولات سابقة أعيقت من قبل الحكومات المترددة في قبول أي شكل من أشكال الإدارة الدولية للموارد، ولم ينتج عن تلك المحاولات أي حلول فعالة.
وقد قال هينك أوفينك المبعوث الخاص لشؤون المياه الدولية لهولندا، لصحيفة الغارديان إن هذا المؤتمر مهم. وقال: "إذا كان لدينا أمل في حل أزمة المناخ وأزمة التنوع البيولوجي لدينا، والتحديات العالمية الأخرى المتعلقة بالغذاء والطاقة والصحة، فنحن بحاجة إلى تغيير نهجنا بشكل جذري في كيفية تقييمنا للمياه وإدارتها. يمثل هذا المؤتمر أفضل فرصة لدينا لوضع المياه في قلب العمل العالمي لضمان استمرار حصول الناس والمحاصيل والبيئة على المياه التي يحتاجون إليها".
سبع دعوات
إن المقترحات التي عمل عليها مؤتمر المياه وركز على الوصول إلى قرارات حاسمة بشأنها تمحورت حول النقاط التالية:
-يجب حماية إدارة دورة المياه العالمية باعتبارها منفعة عالمية مشتركة، بشكل جماعي ولصالح مصالحنا المشتركة.
-ضمان مياه آمنة وكافية لكل مجموعة معرضة للخطر، والعمل مع الصناعة لتوسيع نطاق الاستثمار في المياه.
-التوقف عن المبالغة في تسعير المياه. سيتيح التسعير المناسب والدعم الموجه للفقراء استخدام المياه بشكل أكثر كفاءة وإنصافاً واستدامة.
-خفض الدعم الذي يزيد عن 700 مليار دولار في الزراعة والمياه كل عام، والذي غالباً ما يغذي الاستهلاك المفرط للمياه، ويقلل من التسرب في أنظمة المياه.
-إقامة "شراكات مائية عادلة" يمكنها حشد الأموال للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
-اتخاذ إجراءات عاجلة هذا العقد بشأن قضايا مثل استعادة الأراضي الرطبة وموارد المياه الجوفية المستنفدة، وإعادة تدوير المياه المستخدمة في الصناعة؛ ما يعني الانتقال إلى الزراعة الدقيقة التي تستخدم المياه بكفاءة أكبر؛ وقيام الشركات بالإبلاغ عن "البصمة المائية".
-إصلاح حوكمة المياه على المستوى الدولي، وإدراج المياه في الاتفاقيات التجارية. كما يجب أن تأخذ الحوكمة في الحسبان النساء والمزارعين والسكان الأصليين وغيرهم في الخطوط الأمامية للحفاظ على المياه.
لا يبقى للمهتمين والمراقبين سوى انتظار التطبيق على أرض الواقع مع الأمل بألا يطول هذا الانتظار.
----