يذكر الكاتب "محمد كرد علي" في كتابه "دمشق مدينة السحر والشعر" أن دمشق لفظة آرامية تتقدمها دال النسبة، وقد وردت في اللغة الهيروغليفية على هذا النحو تقريباً، ومعناها الأرض المزهرة أو الحديقة الغناء.

أطلق الآراميون على دمشق اسم "درمسق"، والسريان أطلقوا عليها اسم "درمسوق"، وأهل لغة التلمود "درمسقين"، وقالوا إن إرم ذات العماد التي وردت في القرآن الكريم هي دمشق بعينها، ويكاد يكون الإجماع على أن "جلق" هي دمشق، والغوطة هي ذات العماد، ولقبت دمشق أيضاً بالفيحاء.

معالم دمشقية

ولم تُبق الأيام في دمشق من عاديات الأمم البائدة قبل الإسلام سوى مصالح قليلة دائرة يُستدل منها على مبلغ عنايتها بالعمران، ومنها دولة الرومان، وكان لها ممن تسخرهم من الأسرى والأرقاء في إنشاء مصانعها ما لم تكن تصل إليه دولة قبلها ولا بعدها.

ومن آثار الرومان الشارع الأعظم ويدعى بالمستقيم، كان يمتد من الباب الشرقي إلى باب الجابية، كذلك من آثار الرومان اثنان وخمسون حصناً وقلعة أقاموها بين دمشق وتدمر إلى الفرات، أيضاً قلعة دمشق في غربها، وسماها العرب "الأسد الرابض".

ومن آثار القدماء سور البلد الذي نقض ورمم مرات، وهناك بقايا أنقاض بيعة اسمها كنيسة حنانيا يرجع عهد بنائها إلى القرن الرابع للسيد المسيح.

وجاء الخليفة الوليد بن عبد الملك فبنى الجامع الأموي، كما كان في دمشق خمس عشرة كنيسة للنصارى، وفي أيام الوليد أيضاً بنيت المجالس، وعُمرت الضياع وحفرت الآبار وأقيمت المنارات في الطرق، وهدمت المساجد القديمة وزاد فيها، وشيدت دور المرضى، ومن جاؤوا بعده شيدوا الفنادق ودور الضيافة والخانات وكل ما يسهل العيش ويجلب الراحة.

أما في عهد المأمون فأقيمت قناة من نهر منين إلى معسكره بدير مران، كما بنى القبة في أعلى الجبل وصيرها مرقباً، كما أقام في الجبل أيضاً مرصداً فلكياً.

لقد كانت صورة دمشق على شكل مربع الأضلاع مستطيل، ولها ثمانية أبواب، وكانت متاجر المدينة وأسواقها داخل السور. وفي القرن السادس كانت كل أحياء "العقيبة والشاغور والمزار وقبر عاتكة والشويكة والقنوات وسويقة صاروجا (ساروجا) والعنابية" من الأحياء الخارجة عن السور، ثم اتصلت بالمدينة كما اتصل ميدان الحصا بها.

أما الصالحية فقد عُمرت في سفح قاسيون من الشمال في القرن الخامس والسادس حتى أصبحت بمدارسها وجوامعها وأسواقها وخاناتها مدينة برأسها، ثم تحيفها الخراب في العصور اللاحقة، ونهضت قليلاً في العصر الحديث.

وفي القرن الخامس دخل دمشق طراز من دور العلم سموه بالمدرسة، وأول مدرسة أُنشئت للقرآن فيها كانت سنة 444، أيضاً من معالمها العمرانية قصر الأبلق بناه الظاهر بيبرس سنة 668، ومن حماماتها حمام القيشاني وحمام الخياطين، حيث كان في دمشق في القرن التاسع مئة حمام وأربع وستون خاناً أهمها خان أسعد باشا وخان سليمان باشا وخان الحرير.

أما بيوتها فقد احتوت بداخلها على الجمال برمته، في حين لم يكن خارجها ينبئ عن شيء كثير. وقد كان البيت الدمشقي عبارة عن صحن أو فناء يتوسطه حوض للماء، وقد غرست في صحن البيت الرياحين والأشجار المثمرة، وعلى جوانبه تتوزع الغرف والمخادع والقاعات.

ومن آثار دمشق أيضاً المشفى النوري المعروف بالمارستان والمستشفى القيمري، وجامع تنكز وجامع منجك، والمدرسة الجمقمقية والمدرسة الصابونية وجامع السنانية وجامع الدرويشية، والتكية السليمانية والمآذن العظيمة منها مآذن الجامع الأموي، أيضاً من الآثار سكة حديد الحجاز وقصر العابد وقصر ناظم باشا وغيرها.

الدماشقة

لقد جعل الدماشقة لبلدهم طابعاً خاصاً في مرافقها ومصانعها ومساكنها، يكاد لا يجتمع مثله في عاصمة من عواصم الشرق القريب، وكان الدمشقيون في الصف الأول بين تجار الأقطار المجاورة، وإذا مارسوا الصناعة أتقنوا عملهم، وإذا انقطعوا إلى الزراعة قلبوا وغرسوا، وإذا تولوا الأعمال الإدارية والحربية والدينية كانوا على الأغلب مثالاً صالحاً.

ولدى الدمشقي قوة التمثيل، فإذا دخل بلاد الترك أو الهند أو فارس أو أرض الإفرنج تعلم لغة البلاد الذي نزلها، ولهذا كان منهم أدباء بالتركية والفرنسية والإنكليزية، كذلك فالدمشقي أيضاً من صفاته أن يعطف على الغريب ويحنو على الفقراء وألا يؤخذ بالعنف.

أما النساء الدمشقيات فاشتهرن بجمال طلعتهن وحسن هندامهن ورقيق لهجتهن، وهن ربات بيوت ومربيات أولاد عرفن بصبرهن وجرأتهن، وإذا ما اغتربت الدمشقية كونت لنفسها بيئة خاصة، وطبعت البيت الذي تدخله بطابع من النظافة وحسن الإدارة والاقتصاد.

فنون دمشق

نشأت الفنون الجميلة في دمشق في زمن يصعب تعيينه، أما الغناء العربي في دمشق فهو قديم منذ كانت غسان وتنوخ فيها، وكان غناؤهم الإنشاد والترنيم والتقليس (الضرب بالدف والغناء).

وفي القرن السادس كثر الموسيقيون والطنبوريون والقانونيون، وظهر نوابغ هذا الفن، وفي العهد الأخير اقتبست الموسيقا فنوناً من الموسيقا الغربية.

أما في فن التصوير فقد ظهر في عهد الأيوبيين والمماليك مصورون شاميون أبدعوا في التصوير على الجدران والكتب. وجاءت العصور الحديثة فكثر النقاشون والمصورون ومنهم المصورون على الخزف، والنقش على المعادن كالذهب والفضة والنحاس.

الكتاب: دمشق مدينة السحر والشعر

الكاتب: محمد كرد علي

الناشر: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة والنشر