يرى الكاتبان جورج بوتاريل وبيتر كاروثارز في كتابهما "فلسفة علم النفس" أنهما كانا واقعيين بشأن فلسفة العلم بالعموم، وفلسفة علم النفس على وجه الخصوص، وهو ليس الشيء نفسه عندما يكون المرء واقعياً بالطريقة التي نحن بها بما يخص علم النفس الشعبي، ذلك لأن علم النفس الشعبي ليس علماً. ولكن هل يترابط علم النفس الشعبي مع علم النفس العلمي؟

الحقيقة هناك جدل كبير حول هذه المسألة في فلسفة العقل، والجدل بالتحديد بين الواقعيين بخصوص علم النفس الشعبي وخصومهم، فواقعية (العَمدية) يظنون أن هناك الكثير ليؤخذ لأنهم يعتقدون أنه بتفسير وتوقع أفعال وردود أفعال الناس على أساس حالاتهم العمدية نكون ملتزمين بوجود أشياء مثل الحالات العمدية (القناعات والرغبات والآمال والمخاوف..)، وبامتلاك هذه الحالات أثراً سببياً، وخصوم هذا النوع من واقعية علم النفس الشعبي يأتون بصيغ مختلفة، لكنهم على الأقل جميعهم متحدون برفضهم الادعاء أن علم النفس الشعبي يلزمنا بوجود أنماط حالات عمدية فاعلة سببياً.

ويمكن تمييز صيغ وتنوعات مختلفة عديدة لكل من الواقعية ومناهضة الواقعية، لكن واحدة منها أساسية، وهي التمييز بين التزامات مجموع القناعة الواقعية (واقعية العمدية) وحقيقة هذه الالتزامات (واقعية الحقيقة). فأن تقول إن العامة ملتزمون بوجود أنماط حالات عقلية مؤثرة سببياً، أو إن العامة ينوون أن يصفوا العمليات السببية الحقيقية المؤدية للسلوك فهذا أمر، لكن أن نقول إن هذه الالتزامات صحيحة فهذا أمر آخر تماماً.

ولقد كانت مناهضة الواقعية (واقعية العمدية) المتعلقة بعلم النفس الشعبي رأياً رائجاً في فلسفة العقل، وجاءت بصيغ متعددة جداً أكثر من أن يمكن رصدها كلها، ومن الفلاسفة المؤثرين في هذا الاتجاه ديفيدسون الذي يرى أن علم النفس الشعبي ليس نظرية بمقدار كونه خطة تأويلية تسمح لنا بصياغة نظريات مصغرة عن الحالات النفسية لأناس معينين مستهدفين بالتأويل، كذلك الفيلسوف دينيت الذي يرى أن ممارسة علم النفس الشعبي هي مسألة تبني نوع معين من المواقف (الموقف العمدي) من أجل التنبؤ بسلوك الناس الآخرين، وهذان المدخلان ينزعان لأن يركزا على مهام نفسية شعبية مختلفة التأويل والتفسير بعد الفعل في قضية ديفيدسون، وتنبؤ السلوك القادم بالنسبة إلى دينيت، وإلى حد ما يجب أن يعالج علم النفس الشعبي بحد ذاته أسئلة عن سبب فعل الناس ما فعلوه وعما سيقومون به لاحقاً.

وعلم النفس الشعبي صامت بالمطلق بشأن التوظيف العصبي، ولكن لديه الكثير ليقوله بشأن الطريقة التي يعمل بها العقل، وبمراجعة بسيطة لممارسات علم النفس الشعبي يمكن أن تظهر عنه مدلولات مهمة، لا سيما فيما يتعلق بالتصنيف والنشاط السببي وصياغة المفاهيم، كذلك إن علم النفس الشعبي ملتزم بنوع معين من التنظيم الداخلي، وملتزم بأن الناس لديهم حالات عمدية، وهذه الحالات العمدية هي صيغ من محتوى عمدي يتم فيه تقديم المواد الفعلية أو الممكنة لشخص ما بطرق مختلفة، ويتم تصورها بطرق مختلفة، إضافة إلى ذلك توجد ارتباطات سببية مميزة بين الإدراك وبعض هذه الحالات المليئة بالمحتوى.

يرى تشيرتشلاند أنه يجب أن يكون الخلل في علم النفس الشعبي واضحاً بالنسبة إلينا، وأننا في موقع يمكن أن نستنتج فيه أن علم النفس الشعبي سيتم استبداله بفهم علمي أسمى للدافعية والإدراك البشريين، ويدّعي تشيرتشلاند أنه بإمكاننا أن نحكم على علم النفس الشعبي بأنه (نظرية منقوصة) جاهزة للإقصاء والاستبدال بنظريات مستندة إلى معرفة علمية عصبية، ويعود السبب للإخفاقات التفسيرية والتنبئية المزعومة لعلم النفس الشعبي، أيضاً افتقاره للتغيير في النواحي الأساسية خلال التاريخ البشري المسجل وهو أحد أشكال الركود والعقم الذي يشير إلى الانحطاط. كذلك ادعاء تشيرتشلاند أن علم النفس الشعبي يقف في عزلة مدهشة وأنه غير قابل للتحول إلى أي نظرية علمية يستحق تمنعاً دقيقاً. وهذا الأمر من وجهة نظر كتّاب الكتاب صحيح بالجوهر، لكن في الوقت نفسه يؤكدون على أنه لا يوجد سبب مقنع لأن نكون متشائمين جداً بشأن وجود آفاق مكاملة وناجحة لعلم النفس الشعبي وعلم النفس العلمي وعلم الأعصاب، بل ويعتقدون أن علم النفس الشعبي يعمل بنجاح وباعتراف الجميع (ضمن محدودياته الخاصة) إلى درجة أن الحالات العمدية الفاعلة سببياً التي يتعامل معها على الأغلب تقارب الحالات التي حقاً تسبب السلوك، وهذه الفكرة صاغها فودور بجرأة أكبر مناقشاً أن القوة التنبئية الاستثنائية لعلم نفس القناعة هي برهان على أخذ علم النفس الشعبي على أنه مصيب على الأقل في التزاماته الرئيسية.

لكن من وجهة نظر بوتاريل وكاروثارز فإنه من الصعب تقييم القوة التنبئية لعلم النفس الشعبي، ذلك لأن الكثير من التوقعات الموثوقة التي نقوم بها بما يخص سلوك الآخرين قد تكون بسبب القواعد الاجتماعية والنظام الثقافي أكثر مما قد تكون بسبب تطبيق علم النفس الشعبي.

وعلى أي حال فقد طُرح أن علم النفس الشعبي وعلم النفس العلمي غير مرتبطين، مع طلب أن علم النفس العلمي يمكن ويجب أن يتطور بشكل مستقل عن علم النفس الشعبي، ونحن لا نحتاج إلى أن نشغل أنفسنا بدمج علم النفس بالعلم الإدراكي وعلم الأعصاب، وعلى هذا الرأي فإن ما يجب على الفيزيائيين أن يفترضوه هو فقط دمج علم النفس العلمي مع علم الأعصاب، مع ترك علم النفس الشعبي للعامة.

وكنقطة انطلاق بالنسبة إلى علم النفس العلمي، فإن الإمكانيات البشرية التي ميزها علم النفس الشعبي هي بصيغة أو بأخرى أساسية كمواضيع للاستقصاء، وإن الفرق المميز بين علم النفس الشعبي وعلم النفس العلمي هو أنه في حين أن علم النفس الشعبي مخصص للحالات الفردية الدقيقة، فإن علم النفس العلمي مهتم بالمقابل بأنواع العمليات العامة.

----

الكتاب: فلسفة علم النفس

الكاتب: جورج بوتاريل وبيتر كاروثارز

ترجمة: د. سامر عبد العزيز عمران، الهيئة العامة السورية للكتاب