يرى بعض المحللين النفسانيين وعلماء النفس أننا جميعاً بحاجة إلى التحليل النفسي، اليوم أكثر من أي وقت مضى، إما لأننا مصابون بالعصاب فعلاً أو أننا نعتقد ذلك، لكن العصاب لا يعني الجنون، إنها طريقة للتصرف في مواجهة ظروف الحياة اليومية والهموم وخيبات الأمل والآلام التي تطبع حياتنا النفسية بطرق مختلفة، وتتمظهر عبر الإزعاجات التي تحاول أن تخفي مصدرها بطريقة متقنة.

إن من يعاني من الضغوطات وحالات القلق والخوف والعقد والأفكار الجامدة والهوس والكبت والأزمات الهستيرية، ليس كما نعتقده مجنوناً، لكنه ببساطة عُصابي، ويمكن التأكيد أننا جميعاً عصابيون ضمن حد معين.

ويكمن المفتاح الذي يسمح بإيجاد الحل لأكثر صراعاتنا وآلامنا الحميمة في التحليل النفسي الذي يعني حرفياً "تحليل الحياة النفسية" أي الروح، وعرفه فرويد بوصفه "طريقة للعلاج الطبي للأمراض العصبية"، مع الاعتراف بأن التقنيات المستخدمة غالباً تتناقض تماماً مع تقنيات الطب التقليدي.

العصاب الهوسي

يتمظهر العصاب الهوسي عبر أفكار ودوافع وأفعال ملازمة، تكون هذه الأفكار غالباً غريبة، وأحياناً حمقاء وحشية، لأن المريض لا يمكنه فعل أي شيء تجاهها. وتترافق دوافع العصاب أحياناً مع ميول خطيرة مثل السرقة وارتكاب أفعال ضد الطبيعة وحتى القتل. لكن من حسن الحظ أن هذه الدوافع لا تصل أبداً إلى نهايتها، لأن العصابي يخضع لصوت أناه الأعلى أي لصوت وعيه الأخلاقي الذي يكبحه، ولا تختفي عقدة الذنب لديه، لأن الدوافع غير المشبعة تثير قلقاً شبيهاً بالقلق الذي يشعر به من يشبعها. كما أن الإحساس بالقلق قد يتفاقم إلى حد أنه يمكن أن يثير لدى العصابي رغبة في عقاب ذاتي مروع يفرض بدوره حدوداً على حريته الخاصة.

والأفعال الهوسية هي أيضاً من تمظهرات العصاب، إنها تقوم على تكرار فعل محدد أو تعقيد نشاطات يومية بسيطة وتحويلها إلى طقوس حقيقية.

إن الأفراد الذين يعانون من العصاب الهوسي يكونون أكثر موهبة من الناحية العقلية، كذلك ينتمون غالباً إلى الجنس الذكوري أكثر من الأنثوي. ولدى العصابي تصور عن الأخلاق متطور جداً، وقانونه الأخلاقي متشدد، تفاقمه الدوافع الهوسية التي تجبره على فعل شيء أو قوله أو التفكير فيه، مع أنه يناقض هذا القانون.

لكن وعلى أي حال ومهما كانت شدة العصاب، فإنه يمكننا التأكيد بأن العصابي لا يتصرف أبداً كمجنون ومنحرف. وللعصاب عموماً أنواع متعددة منها "الوهن العصابي وعصاب القلق والعصاب أحادي الأعراض والهستيريا والوسواس" وغيرها من أنماط العصاب.

عيوب الشخصية

ليس العصاب فقط من الأمراض التي يمكنها أن تصيب الشخصية، بل هناك عدد من العيوب التي يمكن أن تفسد الشخصية وتؤثر في أفكار الفرد وأفعاله ومنها: "الشخص صاحب الحساسية المفرطة" والتي قد تؤدي إلى العزلة التامة أو إلى المواجهة. والأشخاص المفرطون في الحساسية كلهم يعلمون أنهم يتصرفون بهذا الشكل، لكنهم بدلاً من العمل على مقاومة هذا العيب في الشخصية، فإنهم يتفاخرون به وكأن الأمر يتعلق بفضيلة.

وهناك "الشخصية الغاضبة" التي على الرغم من أنه لا يوجد سبب لثورة الغضب لديها، إلا أن هذا الشخص سيجد دائماً السبب الذي يمكن أن يكون مسوغاً ظاهراً. إن الغضوبين لا يقبلون أبداً عيوبهم، بعكس المفرطين في الحساسية الذين يجعلون من عيبهم فضيلة.

أما "الشخصية عديمة الرضا" فهي ليست حالة خاصة بالنساء المتقدمات في العمر كما يشاع، بل يمكن أن يكون الرجال أساتذة في التفجع، كذلك هناك "الشخص المرتاب" الذي يشك بكل شيء وينفي كل شيء، ولا يأخذ شيئاً على محمل الجد، وحياته عبارة عن وليمة من المتاعب التي لا تحتمل.

ومن عيوب الشخصية "الأنانية"، والأناني يمتلك شخصية غير لطيفة، ويبقى همه الأول قبل اتخاذه أي قرار هو معرفة ما الذي يناسبه شخصياً، من دون التفكير للحظة واحدة في أن الآخرين لديهم الحق أيضاً في العيش وفق رغبته ومعاييره. وهناك "الشخص غير المتسامح" وهو الذي ليس من الضروري أن يسبب له سلوك الآخرين أي ضرر كي يشعر بأنهم مجبرين على إدانته بقسوة، ويكفي الاختلاف في وجهات النظر فقط.

كيف تعيش بشكل أفضل

يشير أندريه روبرتي في كتابه "كيف تحلل نفسك بنفسك" إلى أنه يكفي أحياناً أن نكون متفائلين كي نشعر بالاختلاف ونرى العالم بصورة أخرى كي نتخلص مما تحمله شخصيتنا من عيوب، موجهاً مجموعة من النصائح، وكان من أبرزها "لا تنسَ أحزانك، لكن تغلب على آلامك عبر محاولة اكتشاف سببها – أحبب وكن محبوباً – لا تتخيل أن امتيازات الحياة مجانية فللحياة ثمن لا يعتمد إلا علينا – لا تهمل عائلتك – لا تنغر بالعالم الخارجي - حتى وإن كانت تأتيك أخبار حزينة كل يوم- ارفض التشاؤم – لا تكن مغروراً ولا تقل إنك أفضل من الآخرين – لا تفقد حس الفكاهة وتعلم الضحك – حاول أن تثمن ذكاء الآخرين – تعلم الاهتمام بالنفس – لا تنظر إلى أيامك بوصفها متوالية من الالتزامات التي لا نهاية لها، وفكر أحياناً بحقوقك من دون فرضها على الآخرين بطريقة عدوانية – يجب أن تكون متسامحاً".

----

الكتاب: كيف تحلل نفسك بنفسك

الكاتب: أندريه روبرتي

ترجمة: د. غسان بديع السيد

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب