برتراند راسل أحد أعظم فلاسفة القرن العشرين، وأحد ألمع العقول في كل العصور. لقد سخّر فلسفته للدفاع عن كل القيم الإنسانية، ودفع في سبيل مواقفه الإنسانية المناهضة للعنف ثمناً باهظاً؛ إذ تم سجنه خلال الحرب العالمية الأولى بسبب نشاطه الداعي للسلام، وخسر جراء ذلك منصبه كأستاذ في جامعة كامبريدج.

في أيامه، كان راسل الشخصية الأكثر جدلاً، وكانت أفكاره الأكثر تداولاً بين فلاسفة ومفكري عصره. ولكن أعظم إسهاماته تكمن في النطاقات الفنية المتخصصة في مجالي المنطق والفلسفة، فقد كان "تأثيره شديداً على مضمون الفلسفة وأسلوبها في البلدان الناطقة بالإنجليزية في القرن العشرين، حتى إنه أصبح يمثل اللحن الأساسي للفلسفة في تلك الفترة. صار الفلاسفة يستخدمون الأساليب والأفكار الناشئة من عمله دون أن يشعروا بالحاجة إلى ذكر اسمه، ما يوضح مدى تأثيره".

ولد برتراند آرثر ويليام راسل في 18 مايو 1872 في أسرة شهيرة، هي الفرع الأصغر من نبلاء بيدفورد. وكان جده لأبيه هو اللورد جون راسل الشهير الذي استحدث قانون الإصلاح في عام 1832، وكانت تلك هي الخطوة الأولى نحو إضفاء الطابع الديمقراطي على البرلمان. وشغل اللورد جون منصب رئيس الوزراء مرتين، ومنحته الملكة فيكتوريا لقب إيرل. وكان جد راسل لأمه - اللورد ستانلي أوف ألديرلي - من الحلفاء السياسيين للورد جون.

عام 1888 التحق راسل كتلميذ داخلي بمعهد تابع للجيش، وذلك للاستعداد لاختبارات منحة جامعة كامبريدج، ونال المنحة والتحق بكلية ترينيتي عام 1890 لدراسة الرياضيات. وكان ألفريد نورث وايتهيد - الذي تعاون معه فيما بعد في كتابة كتاب "مبادئ الرياضيات" - قد نظر في أوراق إجابة راسل في المنحة الدراسية، وأوصى به عدداً من المحاضرين الموهوبين.

نال راسل بفضل أطروحته زمالة بحثية بمدة ثابتة في كلية ترينيتي دون أي واجبات مفروضة عليه؛ مما ترتب عليه أنه لم يكن مضطراً للتدريس في جامعة كامبريدج أو الإقامة فيها. نشر كتاب "الديمقراطية الاجتماعية الألمانية". ثم ظهرت النسخة المنشورة من أطروحة الزمالة التي أعدها، وعنوانها "مقال عن أسس الهندسة"، ثم نشر راسل في عام 1900 كتاب "عرض نقدي لفلسفة لايبنتس". وفي عام 1914 زار راسل الولايات المتحدة، وألقى محاضرات في جامعة هارفرد، ونشر محاضراته فيما بعد في كتاب بعنوان "معرفتنا بالعالم الخارجي".

وكان تي إس إليوت من بني تلاميذه في جامعة هارفرد، وكتب إليوت قصيدة عنه بعنوان َّ "السيد أبوليناكس"، وصوره فيها على أنه كائن أسطوري غريب بل ومفزع، قد يتدحرج رأسه المزين بأعشاب البحر فجأة تحت مقعد أو يقفز وهو يبتسم فوق حجاب مصباح؛ صوره على أنه يضحك - حسبما يقول إليوت: "مثل جني مستهتر". ومع ذلك فإن "حديثه القوي الحماسي" يستهلك كل فترة بعد الظهيرة، مذكراً إليوت بوقع حوافر وحش القنطور الخرافي فوق أرض صلبة.

حاز جائزة نوبل في الآداب عام 1950. خلال حياته، وُضع راسل في مصاف الليبراليين والأعضاء البارزين في المجتمع ومعادي الحرب، ولكنه رفض بالكامل أن يتبنى فكر أي منهم. يعد راسل مؤسساً للفلسفة التحليلية، إلى جانب سلفه غوتلب فريج وتلميذه لودفيغ فيتغنشتاين.

علا صوته ضد أدولف هتلر، وكان ضد تورط الولايات المتحدة في الحرب الفيتنامية. وكان داعماً عنيداً لنزع السلاح النووي. شمل تأثير راسل صنوفاً مختلفة من العلوم، فقد طال تأثيره الرياضيات والمنطق واللسانيات والفلسفة واللغة والعلوم الاجتماعية.

----

الكتاب: برتراند راسل

الكاتب: إيه سي جرايلينج

المترجم: إيمان جمال الدين الفرماوي

الناشر: مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة، 2017