يبحث كتاب "شعراء سورية في العصر الهلنستي" حياة شعراء سوريين ولدوا خلال الفترة الهلنستية أو عاشوا خلالها، سواء قضوا حياتهم بكاملها في سورية أو انتقلوا في أواخر أيام حياتهم إلى بلدان وعواصم أخرى.

ميلياغروس الغَدري

من أهم الشعراء السوريين في العصر الهلنستي، وقد عرّفه بعض النقاد الأوروبيين الحديثين بأنه رائد المدرسة السورية في الشعر خلال مرحلة ما قبل الميلاد. وُلد ميلياغروس في مدينة غادارا السورية من أب يوناني مستوطن في سورية وأم سورية من أهل المدينة ذلك عام 140 ق.م، وفي هذه المدينة ظهرت لديه بواكير الموهبة الأدبية، ويقال إنه أصدر فيها مخطوطته الشعرية الأولى "ربّات البهاء"، ثم ارتحل إلى مدينة صور "تيروس" وفيها أصدر كتابه الثاني "قصائد حب الشباب"، وبعد عدة سنوات رغب بالمزيد من الشهرة فارتحل إلى جزيرة كوس واختارها كمقر نهائي لقضاء بقية حياته فيها.

والحقيقة أن موطن ميلياغروس ومنبته العائلي والظروف السياسية والثقافية، كذلك مبادئ الفلسفة الكلبية التي تربى عليها، جعله يميل إلى النظرة الإنسانية الشاملة للعالم، وزاد في هذه النزعة أنه كان يجيد ثلاثاً من لغات عصره (السورية الآرامية والفينيقية واليونانية)، ويظهر هذا من خلال شعره.

أما كتابه الثالث "الإكليل" الذي كتبه حوالي عام 100 ق.م، فقد حاول أن يخلد فيه أسماء الشعراء اليونانيين والهلنستيين الذين جاؤوا قبله أو عاصروه، حيث اختار لكل منهم قصيدة شهيرة، ورتب هذه القصائد بحسب الحرف الأبجدي اليوناني الذي تبدأ به أولى كلماتها، وقد بلغ عدد هؤلاء الشعراء ثمانية وأربعين شاعراً شبه كل منهم بزهرة أو وردة معينة.

وشعر ميلياغروس سلس خفيف الروح ذو جرس موسيقي أغلبه من الشعر الغنائي، وقد أخذ شعره في الغالب شكل القصائد الغرامية القصيرة، حيث لا يتجاوز طول الواحدة منها بيتين حتى أربعة عشر بيتاً، وعلى الرغم من أنه لم يكن هو من ابتدع هذا النوع من القصائد، إلا أن ما كتبه منها وعدده 134 أبيجرامة يظلّ أرق ما كُتب في هذا النوع حتى اليوم.

أنتيباتروس الصيداوي

وُلد أنتيباتروس في مدينة صيدا عام 150 ق.م، وقد ذاعت شهرته الأدبية في سورية خاصة وفي العالم الهليني عامة حوالي عام 120 ق.م. وإلى جانب كونه شاعراً كان أنتيباتروس فيلسوفاً ذا نزعة أبيقورية في فلسفته، لكنه من حيث نظريته في الحياة لم يكن أبيقورياً، إنما فيلسوفاً مترفعاً إلى حد عدم المبالاة، وقد لاقت فلسفته وشعره استحسان عدد كبير من مثقفي اليونان والرومان، حيث كان شعره سلساً بكل ما تحتويه هذه الصفة من معنى، لا يستعصي على الفهم، ويمكن أن يتذوقه الجميع العامة قبل الخاصة، كذلك كان شاعر رثاء ومجتمع، حيث يمكن أن نحصل اليوم من خلال شعره على صورة كاملة عن المجتمع الهليني، وهذا أمر غير ممكن فيما يتعلق ببقية الشعراء الآخرين.

فيلوديموس

في مدينة غادارا السورية وُلد الشاعر فيلوديموس عام 110 ق.م، وفي حوالي عام 95 ق.م ارتحل إلى أثينا حيث درس فيها الفلسفة الأبيقورية على يد الفيلسوف زينون الصيدوني، وبعد إتمام دراسته سافر إلى روما، وفي بلدة هيركولانوم افتتح مدرسةً لتعليم الفلسفة الأبيقورية، ومنها نشر علمه وفلسفته، فكان ينشر بحوثاً موسوعية على ورق البردي. وعندما دمر بركان فيزوف هذه المدينة عام 79 ميلادية، احترقت المدرسة بما فيها من ملفات، وغمرت الأتربة البركانية أوراق البردي التي لم تحترق لحسن الحظ.

واعتباراً من أوائل القرن الثامن عشر تم الحفر في بلدة هيركولانوم، وعُثر على لفائف البردي التي تركها فيلوديموس سليمة بشكل شبه كامل، حيث تم ترميمها وقراءتها وترجمتها إلى مختلف اللغات.

ولقد كانت الموجودات من الأهمية والكثرة إلى حد جعل المؤسسات الأكاديمية الإيطالية تعمل على إنشاء مركز دولي لدراسة وترجمة البرديات التي عُثر عليها. كما أن الاهتمام بأعمال فيلوديموس انتقل إلى جامعات فرنسا وألمانيا وبريطانيا. أما في الولايات المتحدة الأميركية فق تم إنشاء مشروع خاص لترجمة أعماله الفكرية والفلسفية والشعرية.

ومن أهم مؤلفاته أربع وثلاثون قصيدة من نوع الأبيجرامة، كما ألف كتاباً في فن الشعر يتكون من خمسة أجزاء يبحث في نظرية الشعر عند الهلينستيين، كما اتبع القواعد التي وضعها للقصائد الشعرية أغلب الشعراء الرومان الذين جاؤوا من بعده.

حكايا خرافية

ومن شعراء العصر الهلنستي فاليريوس بابريوس الذي اختص بنظم الحكم الفلسفية والأخلاقية على ألسنة الحيوانات والنباتات والجمادات ضمن قصائد يقال لها "حكايا خرافية"، وهو مبتكر حواريات "أنسنة الأشياء" الهادفة. أما الشاعر بيّون الإزمرلي المولود من أب فينيقي وأم يونانية فقد نظم بعض القصائد الرعوية، ثم كتب عدداً من الإبيجرامات الغرامية، لكن أهم ما نظمه هو الملحمة الرثائية التي حملت عنوان "في رثاء أدونيس".

أيضاً الشاعر آرخياس الأنطاكي فقد نظم عدداً من القصائد القصيرة تشهد على أناقة أسلوبه ورقة شعره. والشاعر آراتوس والذي بالإضافة إلى كتابه "في تمجيد الرب بان" وعدد من القصائد الشعرية المتفرقة، فقد كتب كتاباً ضخماً ونفيساً في الفلك والأحوال الجوية واسمه "الظواهر". أما الشاعرة إيرينا التي عاشت في بداية العصر الهلينستي فقد كان إنتاجها من الشعر قليل الحجم لكنه عذباً ومؤثراً.

ومن شعراء العصر الهلينستي أيضاً بوسيدينوس الذي ارتحل عام 95 ق.م إلى جزيرة رودوس وأصبح يعلم الفلسفة فيها، ثم افتتح مدرسة للتعليم سرعان ما توسعت وازدهرت، ولقد كان فيلسوفاً وعالماً موسوعياً، ترأس المدرسة الرواقية في جزيرة رودوس، وألف كتابين في الروح والآلهة، كما أنجز عدة كتب في الفلك أهمها "المذنبات" و"عن حجم الشمس".

----

الكتاب: شعراء سورية في العصر الهلينستي

ترجمة وإعداد: د. إحسان هنيدي

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب