على الرغم من العمر القصير للإنترنيت، كأداة متاحة لعامة الناس إلى حد ما، لكنه كان المحفز الرئيسي لأكبر وأسرع ثورة تكنولوجية في التاريخ، إنه الأكثر شمولاً لأن آثاره ظهرت، عملياً، على كل مواطن خلال فترة بالكاد تزيد على العقدين، وهو الأسرع لأنه تم اعتماده على نطاق واسع.

تشير مقارنة بسيطة إلى أنه سافر مئة مليون شخص بالطائرة بعد 70 عاماً من اختراعها. ووصل الهاتف إلى مئة مليون بعد خمسين عاماً من اختراعه، فيما تحقق رقم المئة مليون بواسطة أجهزة الكمبيوتر بعد 14 عاماً، ووصل إلى الرقم نفسه على الفيسبوك في غضون عامين من ظهوره، والأهم هو أن الإنترنيت كتقنية حديثة العهد لا تزال تتطور وتتغير بسرعة.

وتضعنا مقدمة كتاب "التغيير -كيف يغير الإنترنيت حياتنا" أمام مفارقة طريفة وهي أن "الآيفون" اليوم يتمتع بالسعة نفسها التي يتمتع بها أكبر كمبيوتر عملاق ظهر في عام 1975 تقريباً الذي بلغت كلفته آنذاك خمسة ملايين دولار واحتاج لمساحة كبيرة، فيما لا تتجاوز كلفة الآيفون 400 دولار.

أحد المشاركين في مقالات الكتاب يرى أن الإنترنيت ينطوي على وجه سلبي بسبب قدرته المحتملة على تغيير طريقة عمل أدمغتنا، ويؤكد نيكولاس كار أن "الإنترنيت يضعف قدراتنا المعرفية، ولا سيما التركيز والتجريد"، لكن أبحاثاً متعددة أخرى، شارك فيها الكثير من الخبراء يعتقد ثمانون بالمئة منهم أن الإنترنت قد زاد من ذكاء الدماغ البشري مقابل خمسة عشر بالمئة يعتقدون عكس ذلك، نظراً لأن الدماغ البشري عضو مرن وقد "يكون الإنترنيت هو الذي يعزز كليات معينة على حساب الكليات الأخرى".

مع ذلك ثمة مخاطر يشير إليها الكثيرون، سواء على الصعيد الاقتصادي حيث يمكن أن تصبح هناك هوة بين منطقة جغرافية وأخرى، أو على الصعيد السياسي بسبب بيانات الشبكة التي يمكن أن تضر بنسيج الديمقراطية نفسه، والأمر نفسه ينطبق على الشأن الثقافي. وفي المقابل هناك العديد من الآراء المتفائلة بآثار استخدام الإنترنيت الإيجابية على مستوى الإنتاجية وتحفيز الأفراد المحرومين والمناطق الجغرافية النائية.

في عام 2010 وصف الصحفي جون باتيل غوغل بأنه "قاعدة بيانات للنوايا البشرية" فطلبات البحث التي أدخلت إلى غوغل تعبر عن تلك الاحتياجات والرغبات، لكن قاعدة البيانات تلك تعد "جزءاً صغيراً من رؤية أكبر بكثير: قاعدة بيانات تحتوي على جميع معارف العالم".

ومن المعروف اليوم أن البنية التحتية القوية للبيانات "لا تتوفر إلا عند قليل من الشركات الكبرى الهادفة للربح، ووكالات الاستخبارات السرية مثل: إن سي إي وجي اش كي". وفي الوقت نفسه لا بد من الإشارة إلى أنه "إذا كان الجنس البشري يقوم حالياً بإنشاء قاعدة بيانات تضم جميع معارف العالم، فغالباً ما يتم تنفيذ معظم هذا العمل على قواعد البيانات المملوكة ملكية خاصة".

وعلى مستوى استخدام الإنترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي، يشير أول مسح عام 1996 إلى 40 مليون مستخدم للإنترنيت، وارتفع عام 2013 إلى مليارين ونصف، تحمل الصين أكبر عدد منهم. وفي حين كان هناك 16 مليون مشترك في الأجهزة اللاسلكية عام 1991 وصل العدد إلى سبعة مليارات عام 2013 في كوكب يسكنه 7,7 مليار إنسان.

وهنا يلفت الباحث مانويل كاستلس إلى العلاقة بين المجتمع والجمهور بالإنترنيت، مشيراً إلى وجود فجوة بين التغيير الاجتماعي وفهم هذا التغيير. فعلى سبيل المثال "تشير وسائل الإعلام غالياً إلى أن الاستخدام المكثف للإنترنيت يزيد من خطر  الاغتراب والعزلة والاكتئاب والانسحاب من المجتمع. وفي الواقع تشير الأدلة المتوفرة إلى عدم وجود علاقة أو إلى وجود علاقة تراكمية إيجابية بين استخدام الإنترنيت وشدة التواصل الاجتماعي". وهكذا تنشأ مفارقة لافتة، فكلما كان "الأشخاص أكثر قابلية للشفاء، زاد استخدامهم للإنترنيت، وكلما زاد ذلك زادوا من التواصل الاجتماعي عبر الإنترنيت، وقاموا بمشاركة حياتهم المدنية وكافة العلاقات الأسرية والصداقة في جميع الثقافات". لكن لا بد من لفت النظر إلى مسألة على غاية من الأهمية تترتب كنتيجة لهذا الاستخدام، ونعني "تغيرات رئيسية في البنية الاجتماعية والثقافة والسلوك الاجتماعي: التواصل كشكل تنظيمي سائد – التفرد باعتباره الاتجاه الرئيسي للسلوك الاجتماعي وثقافة الحكم الذاتي باعتبارها ثقافة مجتمع العمل الصافي". يعرف الجميع أن الإنترنيت قلب حياتنا رأساً على عقب، فقد أحدث ثورة في الاتصالات وأصبح الوسيلة المفضلة لمعظم أنواع الاتصالات. ونستطيع اليوم إرسال البيانات من أحد أطراف العالم إلى الطرف الآخر في ثوان، وكذلك استخدام الصور والصوت والفيديو "الإنترنيت يحررنا من القيود الجغرافية ويجمعنا في مجتمعات قائمة على مواضيع لا ترتبط بأي مكان".

ويرى الباحث زارين ذنتزل أن الإنترنيت غير "الأعمال والتعليم والحكومة والرعاية الصحية وحتى الطرق التي نتفاعل بها مع أحبائنا، فقد أصبح واحداً من الدوافع الرئيسية للتطور الاجتماعي".

----

الكتاب: التغيير- كيف غير الإنترنيت حياتنا؟

الكاتب: دافيد جلينتير وآخرون

ترجمة: مي غانم

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب